الاثنين، 19 يوليو 2010

تلك الأيام ... أدب الفيديو كليب



لقد دأبت السينما المصرية على تقديم شخصية المثقف الإنتهازى فى كثير من الأفلام مثل ( اللص والكلاب ـ الرجل الذى فقد ظله  إخراج كمال الشيخ ) وفى هذه الأعمال يتم تحويله إلى غريم للشخصية الدرامية الطيبة مثل اللص سعيد مهران أو الخادمة ( شادية) ، وقد قدم المخرج ( عاطف سالم ) منذ عدة أعوام فيلم ( دموع صاحبة الجلالة ) والذى أكد مشهده الختامى على أن هذه الشخصيات الزئبقية ( بحسب تعبير الدكتور نبيل راغب ) لن تختفى على الإطلاق ، وفى هذا العام إختارت إحدى شركات التوزيع أسوأ توقيت لعرض فيلمين وهما ( عصافير النيل للمخرج مجدى أحمد على وتلك الأيام للمخرج أحمد غانم ) .
إن إنفصال المشاهد العادى عن السينما الجادة ، إنما يرجع إلى أن صناع الأفلام يصدرون ثقافتهم داخل أعمالهم ، بمعنى أن المواطن الذى يتعاطى المخدرات مثلا ، ويحرص على أن ترتدى زوجته الحجاب ، سيرفض حتماً أن يشاهد فيلماً تختار فى المرأة الرجل الذى تمارس معه الحب مثل (الأبواب المغلقة) للمخرج عاطف حتاتة ، ولكنه سيهلل لفيلم (أنا مش معاهم) والذى يؤكد على ضرورة العودة للإحتشام ، وعندما يتوجه لمشاهدة فيلم ( تلك الأيام ) لن يلتفت إلى أى من عناصره الفنية ، وإنما سيشيد بمنطق زوجات أشقاء البطلة المحجبات ، وهو الأمر الذى سيطيح بمصداقية الفكرة التى يود الفيلم مناقشتها ، وإذا أضفنا إلى ذلك أن الفيلم يقدم البطلة باعتبارها إمرأة لا ترتدى غطاء الرأس وتحتسى الخمر ، فإن المشاهد سيتعاطف حتماً مع الزوج ( محمود حميدة ) رغم أن الفيلم يقدمه كشخص إنتهازى يسعى للوصول إلى كرسى الوزارة  بأى وسيلة .
يشير فيلم ( تلك الأيام ) إلى بعض التفاصيل المتشابهة بين شخوصه ، فإذا كان الأستاذ الجامعى يجد الراحة والسكينة فى منزل والدته ( صفية العمرى ) بالقرية ، فإن الشرطى السابق ( أحمد الفيشاوى ) يحلم فى أحد المشاهد بوالدته ( سمية الألفى ) ، كما نلاحظ أن العمل يشير إلى تطابق ظروفهما الحياتية التى أدت إلى قيام كل منهما بتغيير توجهاته ، فالأستاذ تم تعذيبة على يد رجال الأمن ، بينما الشرطى ترك مهنته عقب قيامه بقتل أحد الإرهابيين ثأراً لزميله ، فنحن هنا أمام طرفين جانى قرر الإنعزال واللجوء إلى الدين ( يصلى فى أحد المشاهد داخل حديقة المثقف ) ، ومجنى عليه عزم على الإنتقام من الظروف الإجتماعية .
وبعيداً عن فكرة المقارنه بين رواية كتبت منذ عشرات الأعوام وفيلم يدور فى عصر الهاتف المحمول ، فإن قيام المخرج بإطلاق نفس عنوان الرواية على الفيلم لهو إختيار خاطىء بلا شك ، فنحن لانستطيع إدراك علاقة عنوان (تلك الأيام) بعمل يقتصر دور الذكريات به على تأكيد مدى تأثير ماضى الشخصيات على حياتها الأن ، دون الإشارة إلى الظروف السياسية والإجتماعية المصاحبة لهذه الفترة ، لاسيما وأن تنفيذ هذه المشاهد جاء أقرب إلى الإستعراض التكنيكى والإبهار الشكلى مثل مشهد إقتحام الإرهابيين للقطار أو مشهد مطاردة الظابط للإرهابى داخل الريف ، وعلى جانب أخر فإن العمل رغم جديته وإختلافه عن الإفلام الهزلية ، لا يخلو من أخطاء العمل الأول مثل سوء إختيار الأدوار (ماجد المصرى ـ ليلى سامى) ، أو ديكور المكان المخصص للقاء رئيس الوزراء          (عادل أمين) مع رجاله الأشبه بأوكار العصابات ، والإشارة المضحكة إلى قناة الفضائح الإخبارية مع تعمد إختيار إسم لها يتطابق مع كلمة (الجزيرة) .
ويمتد سوء الإختيار ليشمل صغار الممثلين ممن يظهرون فى لقطات محدودة مثل كريم العدل (مخرج فيلم ولد وبنت أول الأفلام المعروضة لعلا عز الدين المشاركة فى كتابة سيناريو الفيلم) والذى قام بأداء دور الطالب الجامعى المعترض على أفكار الأستاذ ، فمما لاشك فيه أن السبب الوحيد لإختياره هو كونه نجل المنتج (محمد العدل) .
وعلى الرغم من كثرة الملاحظات السلبية والإيجابية تجاه العمل فإن إحجام الجمهور عن مشاهدته سيدفع شركات الإنتاج إلى التفكير ألف مرة قبل إنتاج فيلم مختلف عن السائد ، وهو ما قد يجعل هذا العمل بمثابة العمل الأول والأخير للمخرج .

الثلاثة يشتغلونها ... السينما الإنهزامية



منذ أن قدم فيلم (الواد محروس بتاع الوزير) إخراج نادر جلال ، قرر المؤلف (يوسف معاطى) ترسيخ فكرة المواطن المصرى الصالح فى أعماله المختلفة ، مؤكداً على طيبة رجال الشرطة فى فيلم (عريس من جهة أمنية) إخراج على إدريس ، وموضحاً مدى ترابط عنصرى الأمة فى فيلم (حسن ومرقص) للمخرج رامى إمام ، بل يؤكد أن رجال الأعمال الفاسدين إناس طيبون بالفطرة لا يمانعون فى مساعدة المواطنون البسطاء فى فيلم (بوبوس) ، كما يؤكد أن المثقفون هم مجموعة من المدعين يحتسون الخمور عند القبض على إحدى فتياتهم فى فيلم (السفارة فى العمارة) ، ويسارعون بالهروب من المظاهرات فى فيلم (طباخ الريس) ، أما المواطن العادى فى أفلامه فهو إما شاب أبله ضعيف الشخصيه يتزوج ويعمل بناء على إرادة والده مثل فيلم (التجربة الدانمركية) ، أو أسرة تعانى من الحرمان الجنسى مثل أسرة رأفت (أشرف عبد الباقى) فى فيلم المخرج وائل إحسان (السابق ذكره) ، ويقدم المؤلف فى فيلم (الثلاثة يشتغلونها) أسرة مشابهة ينصاع فيها الأب لقرار فصله من المصنع بدون وجه حق ، ويوفقه الله للعمل على ماكينة تصوير المستندات ، فيبدو قانعاً رغم كل ما يمر به من ظروف وأزمات حتى يحظى بتعاطف المشاهد المصرى العادى ، ويواصل الكاتب طرح أفكاره المستهلكة فى هذا العمل ، فيقرأ المثقف اليسارى مجلة أطفال ، ويغرق الشاب الأرستقراطى فى اللهو والمجون ، بينما يؤكد الداعية الشاب على فساد الدعاة الجدد ، ولكن ما لم يدركه (يوسف معاطى) أن معظم الشعب المصرى يعتبر هؤلاء الدعاة عبارة عن مجموعة من الملائكة أرسلها الله لكى تساعده فى دخول الجنة ، مما يفسد أى محاولة لتغيير هذه الصورة .
ونحن نفاجأ أثناء مشاهدة العمل أن التترات المنفذة عن طريق الرسوم  المتحركة تشبه مضمونه تماماً ، إذ يخلو العمل من شخصية يتفاعل معها المشاهد ويصدقها ، فمهرجان الأنماط الذى إشترك فى صناعته مخرج الفيلم ( على إدريس ) جعل الشخصيات تتحرك وتتكلم وتعبر عن أفكارها بحيادية تامة ، فالشرطى (محمد لطفى) يكتفى بالصراخ ، وفى أحد المشاهد يسخر من الإنتماءات السياسية للمثقف ، حيث يهلل المؤلف لأفكار الشعب المصرى عن ضرورة الإبتعاد عن العمل العام حتى لا يتعرض الفرد لمصير أبطال فيلم ( الكرنك ) ، أما مسئول وزارة التربية والتعليم ( طفى لبيب) فهو يعلن غضبه الشديد فور عمله بالتغييرات التى حدثت للأطفال ، بالرغم من أنه يستطيع إغلاق المدرسة بإشارة واحده .
ويمتد الفقر الفكرى ليشمل الأماكن التى تدور بها الأحداث مثل (منزل البطلة وقسم الشرطة والفصل) حيث نشاهد نفس الموقف كل فترة مع اختلاف ردود الأفعال ، بينما تتعدد أماكن التصوير فى الجزء الدعائى الأخير الذى يكرس لفكرة المواطن الصالح ، عندما تقوم نجيبة بتغيير إسلوبها وتحصل على لقب المدرسة المثالية ، وهو لقب زائف تماماً فهى لم تفعل شيئاً تستحق عليه المكافأة ، فالسيد المؤلف قد إستوعب متطلبات الشعب الأبله ، فلابد للإبن من الحصول على الدرجات النهائية سواء كان يحب ما يقوم بدراسته أو يكرهه ، وعلى هذا فإن هؤلاء الأطفال قد تمكنوا من الحصول على أعلى الدرجات نظراً لقيامهم بحفظ المقررات ، ومما لاشك فيه أن الفتيات سيتحولن إلى نسخة من نجيبة فور وصولهن إلى الجامعة .
ظللت أتذكر فيلمى ( school of rock  ، dead poet society ) أثناء مشاهدتى لهذا الشريط ، فهى أعمال تعطى الأولوية لكرامة الفرد وحريته ، وتنادى بضرورة إستغلال الطلاب لمواهبهم ، أما نحن فيسعى السينمائيين لكى يقدمون نموذجاً يحتذى به وهو المدرس المثالى ( رمضان مبروك أبو العلمين حمودة ) ، والذى إرتعد أثناء جلوسة بمكتب سكرتير وزير التربية والتعليم ، بينما إنهال بالضرب على أطفال القرية الأبرياء .