الأربعاء، 25 أغسطس 2010

اللى نزل الشارع


مقدمة
فكرة قيام أحد الأشخاص بالدخول فى مغامرة تقع أحداثها فى ليلة واحدة أو يوم واحد ، يكتشف خلالها العديد من الأشياء التى كان يجهلها ، ويتأكد أن حياته السابقة عبارة عن سذاجات ، وأن حالة الإرتياح التى انتابته طيلة المدة السابقة ، لا يبررها تصالحه مع ذاته ، وإنما ترجع إلى كونه إنسان سلبى ، غير مدرك لحقيقة الواقع الموجود حوله ، قد تم تناولها فى العديد من الأعمال المصرية مثل فيلم (البحث عن سيد مرزوق) إخراج داود عبد السيد ، كما قامت عليها عدة أفلام أجنبية مثل (collateral  ) بطولة توم كروز وجيمى فوكس ، وإخراج مايكل مان ، و تم إنتاجه عام 2004 


يستوحى المخرج (إسلام إمام) فكرة مسرحيته ( اللى نزل الشارع ) من إحدى الحلقات التلفزيونية القصيرة للمخرج (وودى ألان) ، وقد تم تقديمها أكثر من مرة عن طريق بعض الفرق المسرحية فى إيطاليا ، ومن المعروف أن المخرج (وودى ألان) يميل فى معظم أعماله إلى السخرية من الواقع السينمائى والأدبى فى بلاده وهو ما يظهر بوضوح من خلال فيلمي (anni hall  ـ Hollywood ending ) حيث قدم فى الفيلم الثانى هجائية ساخرة لصناعة السينما فى العالم ، مؤكداً على ضحالة تفكير النقاد الفرنسيين ، من خلال قيام مخرج بتنفيذ أحد أفلامه أثناء إصابته بعمى مؤقت ، وبالرغم من المستوى الرديء للعمل ، فإن النقاد الفرنسيين يعتبرونه أحد أهم الأفلام فى تاريخ السينما ، ومما لا شك فيه أن العمل المسرحى الذى كتبه وأخرجه   ( إسلام إمام ) إنما يسعى بشكل رئيسى إلى إلقاء الضوء على العديد من السلبيات الموجودة فى المجتمع المصرى بشكل كوميدى ساخر .


إنطباعات سريعة مكان العرض المسرحى
يحسب أولا للعرض رخص سعر تذكرة الدخول للعمل ، وبالرغم من ذلك فقد لاحظت أن أغلب الموجودين داخل العرض إما أصدقاء للأبطال ، أومن طلبة وخريجى معهد الفنون المسرحية ، وخيل لى فى هذه اللحظة أن العمل موجه إلى الجمهور المتخصص وليس العادى ، كما فوجئت عند ذهابى لقطع التذاكر بوجود أفيشان ضخمان لمسرحية ( سى على وتابعه قفة ) بحيث يتصور المشاهد أن هذه المسرحية هى التى تعرض داخل مسرح السلام ، أما بالنسبة لتصميم الأفيش فنلاحظ تعبيره عن مضمون العمل حيث يجلس كل من (رامى الطمباوى ـ نفرتارى) وهما الممثلان اللذان قاما بأداء شخصيتى الزوج والزوجة على الأرض ويقومان بتنظيف أحذية إثنان من أبطال العرض وهما ( ريم حجاب ـ أحمد عبد الهادى ) ، فى إشارة إلى الإذلال الذى يتعرض له الزوجان طوال العرض المسرحى .
ملخص العمل :ـ
تدور أحداث المسرحية حول قيام الشرطة بإقتحام منزل  أسرة مكونة من الزوج محمود (رامى الطمباوى) والزوجة سناء (نفرتارى) ، حيث يطالبونهما بمساعدتهم فى القبض على السفاح الذى أصاب البلاد بالذعر ، وعندما ينزل الزوجان إلى الشارع ، فإنهم يتعرضون للعديد من الإهانات المختلفة ، تصل إلى ذروتها عندما يتهم البطل بأنه هو نفسه السفاح الذى يبحث عنه الجميع ، لينتهى العمل باكتشاف البطل وزوجته أن السفاح لا يزال حياً .
الحبكة :ـ
تتكون أحداث المسرحية من ستة مشاهد طويلة ، يدور المشهد الأول داخل المنزل ، بينما بقية أحداث العمل تقع فى الشارع ، ويسخر المؤلف عن طريق الحوار من أغلب المشاكل التى تواجه البلاد ، ويظهر ذلك فى عدة مواضع مثل إختيار إسم الكتاب الذى يحتوى على جميع الفتاوى الدينية وهو ( رحلة الشاى الشريب بين الشاى والحليب ) ، وقيام أحد رجال الشرطة بتقليد شخصية كرتونية ظهرت مؤخراً على شاشات التلفزيون بقوله ( إبقى قابلنى فى الحلقة الجاية ) ، وردود أفعال الشرطة عندما طالبهم البطل بإعادة أمواله فينطق كل منهم باسم أحد المسلسلات التلفزيونية    ( المال والبنون ـ الشهد والدموع ) ، بالإضافة إلى السخرية من نمط (فتاة الليل) ضحية الظروف والذى تكرر فى العديد من الأعمال .


وإذا كان البطل يقبع طوال العمل فى إنتظار السفاح ، فإنه يقابل عدة نماذج لا تقل وحشيه عن القاتل الغامض ، بل أنها تساهم فى تدمير مجتمع بأسره دون أن يطولها أى قانون مثل (الدعاة الجدد ـ نواب القروض) ، ولذلك فإن نهاية العمل وهى عدم القبض على السفاح ، إنما تشير إلى أن الخطر لا يزال مستمراً ، ولن نستطيع إيقافه ، ونحن نلاحظ أن الشرطه قبل النهاية بدقائق قليلة أعلنت عن قيامها بالتخلص من شخصين ، فى تأكيد على أن العدو لا يقتصر على جهة واحدة وإنما يحيط بنا من كل جانب .
الشخصيات :ـ تعتمد المسرحية بشكل رئيسى على شخصيتين هما الزوج وزوجته ، أما بالنسبة للزوج فهو شخص ينتمى إلى الطبقة المتوسطة ، شديد الجبن ( يطلب من زوجته الصعود إلى المنزل حتى يستطيع الهرب عندما يحضر السفاح ـ يوافق صاغراً على إعطاء فتاة الليل كل أمواله ) ، يبدو قانعاً بحياته البسيطة ( فهو يتمنى أن يموت على فراشه بهدوء ، وأن يسافر إلى إحدى المدن الساحلية بصحبة زوجته وأطفاله ) ، أما الزوجة فهى ربة منزل تقليدية ، تعمل مدرسة ، يشير النص إلى قيامها بإعداد طعام الغذاء أثناء وجودها فى المدرسة( فى تكرار مقصود للنمط التقليدى للموظفة والذى تم تقديمه فى أفلام سينمائية مثل ( الأفوكاتو ) للمخرج رأفت الميهى )، وتحاول أن تجعله أكثر شجاعة ، ويؤكد المؤلف أن هذه الطبقة التى تحمى نفسها بقشور خارجية ، تنهار أمام أول اختبار ، وذلك عندما تنبهر الزوجة بمنطق فتاة الليل ، وتحدث زوجها عن استعدادها لترك وظيفتها والعمل معها .
المكان والزمان
بالنسبة للقاعة التى تم عرض المسرحية بداخلها أرى أنها جاءت مناسبة لطبيعة العرض ففى كثير من أجزاء العمل كان الممثلون يتحركون فى الفراغ الذى يفصل  بين صفى المقاعد بسلاسة واضحة ، مع ملاحظة عدم وجود فاصل بين المكان المخصص للجمهور والمسرح الذى يؤدى عليه الممثلون عرضهم ، و بالتالى فإن المخرج قد نجح فى الاستفادة من طبيعة المكان المحدود لخدمة النص ، أما بالنسبة للأماكن الموجودة داخل العرض فإنها تقتصر على مكانان هما غرفة النوم الخاصة بالزوجين والشارع ، ونحن نلاحظ أن قطع الديكور إنما تم تصميمها بشكل يجعلها مناسبة لتحقيق أكثر من وظيفة ، مثل سرير الزوجين والذى تحول بداية من المشهد الثانى إلى كشك مغلق ، كما أن قطع الأكسسوار إنما تعبر عن طبيعة المكان الذى تدور الأحداث بداخله مثل ماسورة المجارى التى تسقط منها المياة القذرة على البطل  وصندوق القمامة المثقوب من الأسفل ، وإذا كان مصطلح (المهمات المسرحية) يطلق على كل الأدوات والأشياء التى تستخدم فى تحقيق الأحداث المسرحية داخل العرض ، فإننا نلاحظ احتواء العرض المسرحى على هذا النوع من (أداء الأشياء) مثل النظارة التى يرتديها البطل ولا يتمكن من الرؤية بدونها ، والقداحة التى يمسك بها قائد الشرطة ، ويضغط عليها ، فى مشهدى البداية والنهاية كلازمة مرئية تصاحب ظهوره ، وكأنها تمثل البطل وزوجته والذى يتعمد قمعهما.
أما بالنسبة للزمان ، فإن زمن كتابة النص هو نفسه زمن عرض النص (2009) ، و بالنسبة للزمن الذى تدور فيه أحداث العمل فهو ليلة واحدة ، حيث ينتهى العرض قبل مجيء الصباح  .
الملابس
عبرت الملابس عن المستوى الاجتماعي المتواضع للأسرة من خلال الفانلة الممزقة التى يرتديها محمود ، أما بالنسبة للملابس الخاصة برجال الشرطة فنلاحظ سيطرة اللون الأسود عليها ، مع وجود جمجمة على السترة الخاصة بكل ظابط ، وتضفى الملابس فى بعض الأحيان حساً فكاهياً على الأحداث ، ويظهر ذلك فى مشهد دخول أفراد الشرطة وكأنهم مجموعة سيدات يعملن كراقصات ، من خلال إرتداء أحدهم (أمجد الحجار) لحذاء على شكل كلب .
الإضاءة
يقوم مدير الإضاءة فى كثير من أجزاء العمل بتركيز الإضاءة على كل من الزوج والزوجة فى لحظات إنكسارهما ، مثل الجزء الذى يتحدث فيه محمود عن أحلامه ، وينتهى بأن يدعو الله أن يسامحه ، كما تعبر الإضاءة عن حالة الصدمة التى تنتاب البطلين ، فعلى سبيل المثال ، يتغير شكل الإضاءة عند دخول رجال الشرطة فى بداية المسرحية ، عن أسلوب توزيعها على خشبة المسرح أثناء وجود الزوج والزوجة على الفراش قبل دخولهم .
الإخراج
من المعروف أن هذه المسرحية لا تعتبر التجربة الأولى للمخرج (إسلام إمام) حيث قام بإخراج العديد من الأعمال نذكر منها ( محاكمة غانم سعيد ـ مجند 311 ـ تحب تموت ازاى ) ، أما بالنسبة لعمله الأخير ( اللي نزل الشارع ) ، فإنه يتعمد التعبير عن الإنفصال الواضح بين رجال الشرطة والزوجين من خلال تبادل أمكنتهما على المسرح بحيث يقف أحد الطرفين فى مقدمة المسرح ، بينما يقبع الطرف الأخر فى العمق ، ويعبر عن سيطرة الشرطة على الزوج من خلال قيامهم بإحاطته من كل جانب ، عندما يتهمونه بأنه السفاح ، ويتعمد المخرج فى توجيهه للممثلين أن يجعل أداؤهم يحمل قدر من المبالغة ، وهو ما يظهر بوضوح فى تضخيم قائد الشرطة لصوته ، وميل أحد الممثلين ( أمجد النجار ) إلى استخدام طبقة صوت مصطنعة فى مختلف الأدوار التى قام بتجسيدها ، ولكن المخرج يفشل فى توظيف الأغانى ، فهى تعبر عن أفكار قد سبق توصيلها للمشاهد عن طريق الحوار مثل أغنية 
( أنا حد بسيط ) ، و التى جاءت بعد مونولوج البطل عن أحلامه المتواضعة .