الخميس، 18 يونيو 2009

صياد اليمام.. المقاولات الأدبية

بنظرة سريعة على أغلب الأعمال السينمائية المصرية والمأخوذة عن أعمال أدبية سنتأكد أن بعض السينمائيين قد تعاملوا مع روايات كبار الكتاب مثل ( نجيب محفوظ ـ إحسان عبد القدوس ـ طه حسين ) باستخفاف شديد لتخرج لنا أعمال مثل ( شهد الملكة إخراج حسام الدين مصطفى ـ الحب الضائع إخراج بركات ـ أرجوك اعطنى هذا الدواء إخراج حسين كمال ) معتمدة بشكل رئيسى على الصدف الملفقة والتوليفات التجارية مضمونة النجاح ، أما البعض الأخر فقدم أعمالأ متماسكة ستظل راسخة فى تاريخ السينما المصرية مثل ( البوسطجى ـ الأرض ـ بداية ونهاية ) ، وبعيداً عن العلاقة الأزلية بين النص الروائى ونظيره السينمائى ، فإننا إذا نزعنا إسم الأديب من تترات العمل السينمائى الركيك ، لن ينقص هذا من ضعف مستواه الفنى ورداءته الشديدة ، و يأتى فيلم صياد اليمام كضيف ثقيل الظل ، إقتحم دور العرض فى غفلة من الزمن ، ونال جزاءه المحتوم فى النهاية .
عندما يتصدر إسم الروائى الكبير ( إبراهيم عبد المجيد ) أفيش أحد الأفلام ، سنعلن تأييدنا الفورى لقيام أحد كتاب السيناريو بالتحمس لأحد إبداعاته الأدبية وسط هذا الكم الضخم من الأعمال الرديئة التى يبحث صناعها عن الإيرادات الوهمية ، وسنتوقع مستوى فنى معين يتناسب مع هذا الطموح ، وسنستبشر خيراً عندما نقرأ إسم مدير التصوير رمسيس مرزوق على الملصقات ، فبتقديمه أعمال متميزة سابقة مثل ( إسكندرية كمان وكمان إخراج يوسف شاهين ـ زائر الفجر إخراج ممدوح شكرى ) ، سيجد ضالته فى تقديم عالم جديد مختلف عن الأجواء التقليدية التى يدور فيها الفيلم المصرى منذ عشرات الأعوام .
ولكن كل هذه الأحلام تتبخر فور بدء فيلم صياد اليمام ، ففى المشهد الأول نفاجأ بمجموعة كوارث سينمائية مكثفة تدفع المشاهد المتمرس إلى الفرار من دار العرض إلى غير رجعه ، ويصور لنا المشهد عودة والد البطل من عمله ورؤيته لوالدته ، والتى تشبه الجنية المسحورة من فرط جمالـها وجاذبيتـها ، وعلينا أن
نتوقف أمام الوصف السابق ذكره ، والذى يعتبر هو المفتاح الرئيسى لفهم الفيلم كله ، فالمخرج يقرر إخراج جميع مواهبة المدفونة ، فيتعمد ( بالإتفاق مع مدير التصوير ) أن يجعل المكان غارقاً فى الظلام بحيث لا يتبين المتفرج الفارق بين والد البطل وصديقه الذى يتبادل معه أطراف الحديث ، ثم يستكمل المشهد الفذ بإختياره للمكان السحرى وهو عبارة عن إحدى الترع بحيث نلمح إطارات السيارات الفارغة منتشرة بجوار والدة البطل .
ومن السهل أن يقوم أحد الأشخاص بتأليف كتاب كامل عن الأخطاء الموجودة فى فيلم صياد اليمام ، مثل إختيار ممثل ثانوى لأداء شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، بالرغم من عدم وجود أى تشابه فى الشكل الخارجى بينهما ، أو تثبيت الكاميرا لمدة خمس دقائق على الأب وهو يقوم بكتابة أحد الخطابات ، وأن نقضى نصف المشهد الخاص بوجود الحاوى على المسرح دون أن نرى أى أثر للجمهور الموجود أمامه ، بحيث تبدو فقرته موجهة بشكل رئيسى لجمهور قاعة العرض ، وعلينا أن نذكر بكل الخير الأداء المفتعل للممثل وحيد السنباطى فى دور العم ، المنتمى إلى عالم السهرات التلفزيونية التى توقفت مدينة الإنتاج الإعلامى عن إنتاجها منذ زمن ، أو تكرار المخرج للقطة مصنوعة بالكمبيوتر للقمر على مدار الفيلم ، وترديد مضمون الحوار على لسان الراوى (أحمد راتب ) بعد أن يتفوه به أبطال العمل .
ورغبة من صناع العمل فى الوصول للجمهور بسرعة ، يتم حشو الفيلم بالعديد من المواقف الكوميدية ، بداية من التتر الذى يشبه تترات برامج الأطفال ، مروراً بمحاولة الفنان أشرف عبد الباقى الإستظراف فى مشهد سؤاله عن صديقه ( طلعت زكريا ) داخل البار ، وإنتهاء بمشهد مقابلته لحبيبته داخل المترو ، والذى تعمد فيه التنكر فى هيئة كمسرى .
أما الشىء الوحيد الذى نجح فيه المخرج إسماعيل مراد فهو دفع المتفرج إلى كراهية مصطلح ( أغنية ) ، وذلك بتكراره للأغانى على مدار الفيلم ، سواء كان الموقف الدرامى يتطلب وجودها أو لا يتطلب .

واحد صفر ... الطرف الأخر

من الواضح أن التصدى للكتابة عن أخر أعمال المخرجة كاملة أبو ذكرى ( واحد صفر ) هو مغامرة شاقة ، ليس لصعوبة الفيلم ، وإنما بسبب قيام كم ضخم من المتخصصين والهواة بالكتابة عنه سلباً وإيجاباً ، وهو ما يضع الشخص المنوط بكتابة مقالة عن الفيلم فى مأزق استكشاف نقاط جديدة لم يتم الإشارة إليها قبل ذلك .
وبالنسبة لفيلمنا فنحن نلاحظ أن أغلب مشاهد الفيلم إنما تعتمد على صراعاً أساسياً بين إرادتين مختلفتين ، فعلى سبيل المثال يحمل مشهد تسجيل البرنامج التلفزيوني عدة صراعات ، فهناك صراع بين المذيع ( خالد أبو النجا ) والمطربة ( زينة ) ، وصراع أخر بين المذيع ومخرج البرنامج ، بل أن هناك قيادة عليا تتصل لتبدى استيائها للمخرج ( أحمد كمال ) من بعض التجاوزات الموجودة فى الحلقة ، وإذا كان الصراع دائماً يعتمد على قوتين متناقضتين أحدهما قوية والأخرى ضعيفة ، فإن الطرف الأقوى يتعمد قمع الأضعف مثل مشهد قيام سليم ( حسين الإمام ) بإهانة رانيا ( زينة ) داخل البار ، ولذلك فإن قيام الطفل الصغير بإعطاء قطعة الحشيش لسائق الميكروباس ، لا يعتبر مجرد تفصيلة أساسية فى اليوم الذى تدور من خلاله أحداث العمل ، وإنما هو شعور بالخوف من ترك وظيفته المتواضعة .
هذا الشعور إنما يسيطر على كثير من الشخصيات الأخرى ، فنيفين (إلهام شاهين) تخاف من إسقاط الحمل مؤكدة أن هذه هى فرصتها الأخيرة ، بينما تحاول هدى ( إنتصار ) أن تقنع الراقصة بجودة المنتجات التى تبيعها حتى لا تخسر مزيداً من الزبائن ، أما عادل ( أحمد الفيشاوى ) فإنه يعانى من عدم قدرته على استكمال مشروع الكوافير الخاص به بسبب قلة الأموال الموجودة فى حوزته .
وتأخذ علاقة الرجل والمرأة جانباً من إهتمام صناع الفيلم ، ويحتوى العمل على أشكال مختلفة من فكرة الثنائيات ، والشىء الملفت للنظر أن معظم هذه العلاقات إنما يشكل ( الجنس ) ملمحاً رئيسياً فى تطورها ، فهدى تستسلم لشخص يتحرش بها داخل الأتوبيس ، أما نيفين فإنها علاقتها بشريف تثمر عن جنين ، ويأتى مشهد الحب بين عادل ورانيا داخل دورة المياة ليؤكد أنه لا يزال يحبها ، وذلك على العكس من علاقتها بسليم والذى يعبر فيها الجنس عن مدى المهانة التى ارتضتها رانيا لنفسها فى مقابل أموال زهيدة ، وهو ما سبق وأعلنت عنه فى مشهد البرنامج .
وتمتد فكرة الثنائيات لتشمل أغلب المشاجرات التى تنتشر على مدار الفيلم ، والتى تنقسم إلى عدة أنواع ، ففى بعض الأحيان يدخل أحد الأطراف إلى المشاجرة وهو فى حالة استعداد لها مثل مشهد ( ريهام وشقيقتها ـ عادل ووالدته ) ، وفى أحيان أخرى يبدأ المشهد بالطرفين وهما فى حالة إسترخاء شديد مثل المشاجرة التى جمعت بين نيفين وشريف ، ونلاحظ أن المشاجرات الثلاثة التى تم تقديمها بشكل متوازى ، إنما تنتهى بخروج الطرف الأضعف من المكان ، والضعف فى هذه الحالة يتراوح ما بين عدم القدرة على إتخاذ القرار المناسب مثل ( شريف ) وعدم استطاعة هذا الطرف إثبات براءته ونبل أفعاله لأقرب الأشخاص إليه مثل (رانيا) .
ومن الأشياء الملفتة للنظر فى الفيلم أن أغلب الإنتقالات إنما تتم بين شخصين تربطهما صلة محددة وهو ما يتضح فى الفوتومونتاج الذى رصدت المخرجة من خلاله الحالة النفسية الخاصة بشخصيات الفيلم المختلفة ، ويظهر بوضوح فى الإنتقال بين ريهام أثناء لقاءها مع الشاب ومشاهد تواجد شقيقتها داخل البار .
وفى بعض الأحيان يتدخل طرف ثالث محاولاً حل المشاكل الموجودة بين الطرفين الأساسيين ، وهو ما نلمسه فى قيام صديق عادل بإخباره أن والدته ستساعده فى إستكمال تجهيز المحل ، وتأكيد مونى ( عايدة رياض ) لنيفين أن شريف قام بالإتصال بها مؤكداً أنه لا يستطيع الإستغناء عنها .
وإذا كان الفيلم ينتهى بانتصار مصر وفوزها بكأس الأمم الأفريقية ، فإن شخصيات الفيلم المهزومة ، إنما تنتابها حالة سعادة مؤقته ، وهو ما يطرح سؤالاً أخيراً ماذا يحدث لو إنتهت المباراة بهزيمة المنتخب القومى؟ ، هل ستتغير مصائر الأبطال ؟ ، لا أعتقد ذلك ، فالجميع يجرون بسرعة تجاه النفق المظلم ، وربما يتحول عادل بعد سنوات إلى نسخة أخرى من صاحب المحل القاسى ، وتقوم رانيا بإصدار شريط كاسيت جديد ، أما الطفل فإن المستقبل الدامس ينتظره ليصبح مجرد سائس جراج كهل مثل جدة (لطفى لبيب ) .