عند قيام صناع الأعمال السينمائية فى مصر بعقد المؤتمرات الصحفية تتردد عبارة (إننا نشارك فى أحد الأفلام الهامة التى تمتاز بروعة السيناريو ) ، وفور نزول الفيلم إلى صالات العرض الجماهيرى يفاجأ المشاهد بأنه على موعد مع أحد التجارب الضحلة على مستوى الفكر أو الفن ، مما يحيلنا إلى إختيارين ، إما أن يكون السيناريو الذى وافق عليه الممثلون لم يتم تصويره لظروف خاصة ، أو تعرض للتشويه المتعمد من قبل المخرج وجهة الإنتاج رغبة منهم فى ضغط النفقات ، ذلك بالإضافة طبعاً إلى تدخلات النجم فى السياق الدرامى بالحذف والإضافة .
ونحن نسمع منذ فترة ليست بالقصيرة العديد من أبيات الشعر التى تتحدث عن فيلم عزبة أدم ، وقامت إحدى الناقدات بتوبيخ الدكتور ( عزت أبو عوف ) رئيس مهرجان القاهرة السينمائى لمجرد قيامة بمهاجمة الفيلم قبل عرضه جماهيرياً ، كما تحدثت بعض المطبوعات عن قيام المخرج محمود كامل بالسفر خارج البلاد وتلقى دورة تدريبية فى فن الإخراج السينمائى عند توقف الفيلم بسبب المشاكل التى دبت بين صناعه ووزارة الداخلية .
والحقيقة أن الفيلم يبدو على مستوى الشكل عملا جاداً يتحدث عن تدهور أحوال البسطاء نتيجة الفقر والجهل والمرض ، وهى معان عظيمة إذا تم طرحها بشكل فنى جيد ، وهو مالم يتحقق فى هذا الفيلم .
يعتمد السيناريست محمد سليمان فى أول تجاربه المعروضة (بعد توقف فيلمه ـ ليلة واحدة ـ إخراج أكرم فريد إلى أجل غير مسمى )على الشخصيات النمطية فالأب ( محمود ياسين ) طيب إلى أقصى درجة ) ، أما حامد ( فتحى عبد الوهاب ) فهو مجرم بالسليقة ، يكتفى كاتب السيناريو بعبارة ( إبن كلب ) ليعبر بها عن بعده الإجتماعى والنفسى ، كما تبدو أغلب الخطوط الدرامية الموجودة داخل العمل مستوحاه من أفلام سبق عرضها ، فقيام ظابط شرطة بالإتفاق مع أحد المجرمين بحيث يقوم الثانى بممارسة أنشطته غير المشروعة تحت رعاية الأول قد تكرر فى فيلمى ( حين ميسرة للمخرج خالد يوسف ـ الجزيرة للمخرج شريف عرفة ) وبينما كان المجرم فى هذه الأعمال يساعد الشرطة فعلا بالكشف عن العناصر الإرهابية ، فإن المجرم فى هذا الفيلم لا نشاهدة وهو يقدم خدمة واحدة لظابط الشرطة تبرر مساعدته له .
كما ينحو السيناريو فى منتصف الأحداث إلى الكوميديا عندما يتم تجنيد مصطفى ( أحمد عزمى ) فى إحدى الجماعات الإرهابية داخل السجن ، وكأن المتطرفين يمارسون أنشطتهم فى العلن ، بل أن الكاتب يصيغ مشهداُ عبقرياً يؤدى فيه مصطفى الصلاه وخلفة أفراد الجماعة فى الهواء الطلق بينما يقوم عساكر السجن بالوقوف بجوارهم دون أن يعينهم الأمر فى شىء ، أما فتاة الليل ( دنيا سمير غانم ) فيحسب للمؤلف إبتكاره الواضح فى تبرير أسباب إنحرافها وهى مرض والدها الذى قضى نصف مشاهده وهو مستلقى على الفراش فى حالة من الإعياء التام ، ورغبتها فى توفير الدواء له .
ويرغب صناع العمل فى تجميع جميع القضايا التى تهم المواطن داخل الفيلم مثل سفر المدرسين للعمل خارج مصر أو شركات توظيف الأموال التى تستولى على مدخرات الفقراء ، وربما كان الفيلم سيناقش قضايا أخرى إذا إمتدت مدة عرضة ، كأن يتوفى شقيق مصطفى متأثراً بمرض إنفلونزا الخنازير ، أو يصاب الأب فى وجهه أثناء مشاهدته لمباراة مصر والجزائر .
أما المخرج محمود كامل فإن دراسته للسينما فى أمريكا تبرر لنا كون معظم مشاهير المخرجين ينتمون إلى دول أوروبا ، فالمخرج ألمو دوفار أسبانى الجنسية ، أما كل من مارتن سكورسيزى و فريدريكو فيللينى فموطنهم الأصلى إيطاليا ، أما مخرجنا العظيم فقد إتبع تكنيكاً مختلفاً فأكثر من اللقطات المقربة للوجوه وكأنه يعلن عن سعادته لإشتراك هذا الكم من الممثلين بالفيلم ، وإعتمد على زوايا تصوير منفره للعين مثل المشهد الذى يخرج فيه التاجر المستغل ( سعيد طرابيك ) من قسم الشرطة ، أو اللقطات المأخوذة لقصر مرشدى ( فتوح أحمد ) من الخارج ، كما ترك كل ممثل يلعب على سجيته ، فالفنان أحمد عزمى يؤدى دوره المفضل وهو طالب الثانوى المتعلم الذى يلتحق بالجماعات المتطرفة ، وماجد الجدوانى يلجأ لطبقة صوت مستعارة ليعبر عن سطوة ظابط الشرطة ، أما فتحى عبد الوهاب فتعامل مع دوره وكأنه يشارك فى إحدى المسرحيات فأخذ يبالغ فى التعبير عن حقارة الشخصية بواسطة حركة يديه وتعبيرات وجهه ، ونأتى إلى الفنان محمود ياسين الذى إتبع مقولة أن السينما فن شاب تعتمد بشكل أساسى على الفنانين الشباب ، فأدى دوره المحدود (عشرة مشاهد تقريباً ) بقدر غير قليل من الفتور ، حيث نلاحظ تعمد المخرج فى مشهد ظهوره الأول المصور بلونى (الأبيض والأسود) إختيار زاويا تصوير بحيث لا يظهر فى لقطة مقربة لتأكدة من رداءة الماكياج ، وهو الأمر الذى تكرر فى مشهد المطاردة بين كل من الظابط سعد والمجرمان ( فتحى عبد الوهاب ـ سليمان عيد ) ، حيث تتبادل أحجام اللقطات مابين لقطة عامة لسيارة الشرطى التى لا توضح الإضاءة ملامح قائدها ، ولقطة مقربة ( close up ) لوجه الممثل ( ماجد الكدوانى ) .
أما بالنسبة لبقية العناصر الفنية فنلاحظ أن إضاءة العديد من المشاهد غير ملائمة للمصدر مثل مشاهد حامد داخل المنزل بعد قتله لمرشدى أو اللقاء الأول بين مصطفى وأمير الجماعة الإرهابية وهو ما يدخل تحت مسئولية مدير التصوير ( هشام سرى ) ، و تصور مهندس الديكور كمال مجدى أن الحجز الخاص بقسم الشرطة عبارة عن سبورة فى إحدى الفصول فازدحم الحائط الذى يستند عليه المتهمون بعبارات تتحدث عن شخص واحد لا نعلمه ، كما جاء ديكور معقل الإرهابيين أشبه بمعسكرات الكشافة ، بينما تخيل المونتير عمرو عاصم بأنه يقوم بمونتاج فيلم عمارة يعقوبيان ، فلا تمر بضعة دقائق إلا ويفاجئنا بلقطة للبحر الذى تطل عليه عزبة أدم .
أما النتائج المترتبة على عرض هذا الفيلم فهى قيام جميع المعارضين لأفلام المخرج خالد يوسف بالإتفاق على نشر إعتذار مطول يعتذرون من خلاله عن وصفهم له بالرؤية القاتمة والمباشرة الفجة فى الجرائد الحكومية والمستقلة .