الخميس، 24 ديسمبر 2009

بالألوان الطبيعية ... عندما تهزم الحرفة الموهبة



من أكثر الأشياء المضحكة التى قرأتها فى الأونة الأخيرة هو تعليق لأحد الأشخاص على موقع ( الـ you tube ) يؤكد فيه أن مخرج فيلم بالألوان الطبيعية قدم هذا العمل لمجرد الربح التجارى ، بالرغم من أن المخرج أسامة فوزى قدم منذ تخرجه من المعهد العالى للسينما عام 1980 أربعة أفلام روائية طويلة وهو رقم أقل من نصف عدد الأفلام التى قدمها المخرج أحمد البدرى فى الخمسة أعوام الأخيرة ، بل أن ( أسامة فوزى ) لم يتم ظبطه متلبساً بإخراج أحد أغانى الفيديو كليب أو مسلسل تلفزيونى مكون من أربعون حلقة ، فهو بالتالى يسعى إلى توصيل أفكارة للمتلقى دون النظر إلى رأى المشاهد فى العمل ، أو الإستعانه بتمويل من الخارج يعرضه لإتهامات بتشويه سمعة مصر .
وفى الواقع أن تناول فيلم بالألوان الطبيعية لابد ألا يأتى بمعزل عن فيلم ( بحب السيما ) لنفس المخرج ، والذى إحتوى على شخصية شاب يهوى الرسم ولم يستطع تحقيق حلمه داخل مصر مما دفعة إلى السفر للخارج وهو نبيل ( خال الطفل نعيم ) ، وعلى هذا فإن فيلمنا يطرح فى أحد مستوياته المتعددة فكرة ( ماذا كان سيحدث لنبيل لو حقق حلمة بدخول كلية الفنون الجميلة ) .
يأتى بناء هذا العمل معتمداً على فكرة تكثيف اللحظات الزمنية الخاصة بالبطل ، فالأحداث تدور فى خمس سنوات ، ونلاحظ أن صناع الفيلم يتعمدون حذف الأزمنة الضعيفة ، مثل ذهاب يوسف لخطبة إلهام ، أو تطور العلاقة بين على (رمزى لينر) وصديقته ، بل أننا نتابع السنة الرابعة للبطل فى أربعة مشاهد فقط ، كما يجنحون إلى التفرقة بين نهايات كل مرحلة ، فالعام الأول ينتهى بالطلبة وهم يغنون ، بينما تأتى نهاية العام الثانى عندما يحدث يوسف زميلته عن حالة الحزن التى يمر بها ، بل أن مواقف الشخصيات من بعضها يتم التعبير عنها بشكل بصرى مثل قيام ليلى بتأمل اللوحة التى رسمها يوسف فى السنة الأولى ، أو إفراغ (على) للعصير الذى يشربه فى وجه زميله إبراهيم كناية عن كراهيته له ، بل أننا نفاجأ بعلاقات بصرية متكاملة ، فعلى سبيل نشاهد إبراهيم (إبراهيم صلاح ) يتحدث إلى إحدى الفتيات فى بداية العمل ، ثم تتطور علاقتهم فى مشهد أخر حين نراهم يسيرون سوياً داخل الجامعة أثناء حديث يوسف مع الأستاذ المستنير ، إلا أن نراها فى النهاية تدافع عنه عند تشاجره مع على .
يعلن المؤلف منذ البداية موقفة المضاد لإسلوب تعليم الفنون ، فنحن نلاحظ أن البطل حين يدخل الكلية لأول مرة فإنه يقابل بسخرية من طلاب السنوات السابقة ، وهو ما يشير إليه زميله بعبارة (حفلة الإستقبال ) ، والحقيقة أن الجملة السابقة لا تأتى بشكل عفوى ، فهى ترد المشاهد إلى الإهانة التى يتعرض إليها الشخص الذى يدخل السجن لأول مرة ، فالكلية أصبحت معادلا للسجن ، كما تسيطر فكرة المعادلات على معظم شخصيات العمل ، فالداعية الإسلامى يمثل الدين ، والموديل (سعيد صالح ) يمثل مستقبل البطل فى حالة إستسلامه ، أما فتاة الليل فتبدو إنعكاساً لموقف الفيلم من البطل ، فإذا كانت تقوم ببيع جسدها ، فإن بطلنا يتربح من فنه ، كما أن المخرج يعبر بصرياً عن تخبط بطله فى عدة مواضع مثل إنقسام طلبة الفنون إلى جماعات تعبر كل منها عن ثقافتها فيأتى الناتج النهائى عشوائياً لعدم رغبة أى منهم فى تقبل الأخر ، أو ذلك المشهد الذى يتنقل فيه البطل بين الطرق المختلفة داخل أحد الأسطح أثناء حديث صديقه عن بدء ظهور مشاعر الأبوة بداخلة .
يؤكد المؤلف على عدم إرتباط الموهبة بالدراسة الأكاديمية ، عندما يحدث يوسف عميد الكلية عن تميز طلبة قسم الدراسات الحرة ، ويشير إلى ضحالة تفكير الأساتذه ، عندما يتهمون الطلبة بالكسل مؤكدين أن بإمكانهم تحقيق أرباح مادية طائلة فى الوقت الذى يقومون فيه بالتدريس لهم ، ويتعامل مع شخصياته التى تمارس بعض الأفعال اللا أخلاقيه بقدر من التعاطف مثل موقف ( هدى ) فرح يوسف الخاص برغبتها فى الإحتفاظ بجنينها ، ويؤكد على سيطرة النزعة الدينية على المجتمع المصرى عندما يحدث الطالب الوصولى زميلته أن التصميمات الساذجة ذات البعد الدينى هى أكثر الأعمال التى تعجب بها الأسرة المصرية المحافظة ، ويشير إلى أن الخوف من الرسوب هو ما يشغل الطلاب عندما تتحدث إحدى الطالبات عن إضطرارها لرسم أفكار سبق وأن لاقت إشادة من الأساتذة حتى لا تتعرض للتوبيخ بسبب إبتكاراتها .
وعلى جانب أخر تأتى الإنتقالات فى الفيلم لتعبر عن مضمون العمل ، مثل الإنتقال من حديث الأستاذ عن ضرورة الإنطلاق وإحتفال الطلبة بعيد الحب ، أو القطع إلى حفلة الإستقبال بالكلية بعد قيام يوسف بالفرار من والدته المعترضة على اتجاهه للفن ، كما يؤكد الفيلم بصرياً أن بطلنا قد إستعاد توازنه من خلال إختيار توقيت مشهد النهاية الذى يدور نهاراً على عكس المشهد الذى دار فى نفس المكان عندما كان البطل يمر بحالة نفسية سيئة فدار فى فترة الغروب وصولاً إلى الليل .
وإذا كان طلبة الفنون الجميلة قد قاموا بمهاجمة المخرج أسامة فوزى قبل نزول العمل إلى صالات العرض السينمائى ، فإن كاتب هذه السطور يثق أنه لن يلتفت إلى هذا الهراء ، نظراً لإنشغالة فى التحضير لعمل جديد يدور حول ( مستقبل يوسف عقب إنخراطه فى الحياة العملية ) .

هناك تعليقان (2):

محمود مخلص يقول...

والله انا مادخلتش الفيلم بس أنا معجب بأسامة فوزي
بس انا عندي سوؤال طالما دخلت الفيلم هل الصورة كانت مناسبة للموضوع وقوته؟؟وطريقة الاخراج كانت علي نفس قوة الموضوع وبرضه هل الرسالة وصلت في الاخر ولا الفيلم تعرض لظلم نتيجة انتاجه؟؟؟؟ وتاخر عرضه

عشاق السينما يقول...

شكراً على الكومنت بتاع حضرتك
أنا بالنسبة لى الفيلم عجبنى جدا هو ممكن ميكونشى أفضل أفلام أسامة بس هو فيلم جمييل كفاية إنه قدر يقنع واحد انتج فيلم المش مهندس حسن ، إنه يعمل سيناريو مختلف عن السائد ، أنا كمان شايف إن جرعة الجنس فى الفيلم أقل من حاجات تانية زى افلام الريس عمر حرب أو حين ميسرة أو حتى بحب السيما