يثير الشريط السينمائى الأخير للمخرج خالد يوسف ، والذى يحمل إسم ( كلمنى شكراً ) العديد من التساؤلات والتى تدور فى مجملها حول علاقة الفنان بجمهوره ، فإذا كان مئات الشباب يعبرون عن غضبهم فور مشاهدتهم للمقدمات الإعلانية الخاصة بأعماله السينمائية ، وذلك عن طريق كتابة التعليقات فى مواقع الإنترنت المختلفة ، أو داخل الجروبات الموجودة على الموقع الإلكترونى الشهير الـ ( face book ) والتى يحمل بعضها إسم ( كارهى المخرج خالد يوسف ) ، فإن المردود الجماهيرى لأفلامه فى شباك التذاكر يأتى موازياً لحالة الرفض العامة لأفكارة ونوعية موضوعاته ، وكأن هناك مباراة لا تنتهى بين فريقين يصر كل منهما على هزيمة الأخر ، قبل أن تنتهى بخسارة الجميع .
يمتلك المخرج خالد يوسف كثير من الثقة بالنفس فهو يدفع بمجموعة من الممثلين قد لا ينتبه إليهم كثير من المخرجين ، مثل (عمرو سعد ـ صبرى فواز ) ، كما يرغب أحياناً فى التعاون مع بعض الممثلين ممن توقفوا على ممارسة فن التمثيل السينمائى مثل الفنانة شويكار والتى تشارك فى أخر أعماله ، ومصدر هذه الثقة تكمن فى تأكده الواضح من أن الجمهور العادى يثق فيه ، وهو ما يقودنا إلى السؤال الشهير ، لماذا تنجح أفلام خالد يوسف ؟ .
والإجابة هى ( لنفس أسباب فشل أعمال يسرى نصر الله وأسامة فوزى ) ، فبالرغم من أن الثلاثة مخرجين يتعرضون للسباب دائماً من الجمهور العادى عند عرض أعمالهم ، إلا أن المشاهد يعتبر تجارب مثل جنينة الأسماك أو جنة الشياطين لهى أعمال تتعالى عليه ، تتحدث عن أشخاص لا يمرون بمشاكلهم اليومية الموجودة على صفحات الجرائد ، ولا يعانون من أجل الحصول على لقمة العيش ، وذلك على عكس من أفلام خالد يوسف الأخيرة ، فهو يتعمد اختيار قصص شديدة البساطة مثل الأب الذى يفرق بين أبنائه فى المعاملة فيقتل أحدهما الأخر ( دكان شحاتة ) ، بالإضافة على أفكار حققت رواجاً فى السنوات السابقة مثل الفتاة التى تحمل سفاحاً ويرفض حبيبها الاعتراف بالجنين ـ والأبناء الذين يقسون على والدتهم العجوز وذلك فى فيلم ( حين ميسرة ) ، كما أنه يضفى بعداً سياسياً على مشاهد الأعمال ، عن طريق إبرازه لنشرات الأخبار والمانشيتات الصحفية التى تتحدث عن أهم التطورات السياسية والاجتماعية فى مصر .
من الأمور المتكررة فى أفلام خالد يوسف ، والتى تظهر على أشدها فى فيلم (كلمنى شكرا) ، أن يدور جزء من أحداث الفيلم داخل قسم الشرطة ، كما تصور الكاميرا الممثلين وهم يبكون فى مواقف ميلودرامية تماماً ، تهدف إلى الحصول على تصفيق المشاهدين ، وهو ما يمكن تطبيقه بشكل واضح على المشهد الخاص بقيام أحد مخرجى البرامج التلفزيونية بتصوير حلقة عن التعذيب داخل أقسام الشرطة ، فيستعين بإبراهيم توشكى ( عمرو عبد الجليل ) ووالدته ( شويكار ) حيث يفترض المشهد أن يصفع البطل والدته فيرفض ولكنها تمسك بيده وتصفح بها نفسها .
مشكلة فيلم ( كلمنى شكرا ) أنه وعد الجمهور بما لم يقدمه ، فالإعلان يعطى انطباع بفيلم كوميدى من الطراز الأول ، فإذا بالممثلين المساعدين يتفوقون فى خفة الظل على البطل ، كما توقع الجمهور أن يحتوى العمل على مشاهد جنسية كفيلم (الريس عمر حرب) ، فإذا بالأمر يقتصر على مشاهدة سيقان الفنانة (غادة عبد الرازق) ، بل أن مشاهد المشاجرات والانفجارات التى تواجدت فى فيلم (خيانة مشروعة) إختفت تماماً ، وعندما تهيأ المشاهد لمتابعة معركة أهل الحارة مع البلطجية وزعيمهم صلاح (ماجد المصرى) إنتهى القتال قبل أن يبدأ ، وحتى مشاهد الصراع على الماء والخبز التى تواجدت فى ( دكان شحاته ) بدت فقيرة وانتهى الخط الخاص بصاحب المخبز والذى يقوم ببيع الدقيق المدعم فى السوق السوداء بنهاية أخلاقية تماماً ( إصابة نجله الوحيد بالعمى ) .
يؤكد المخرج فى جميع لقاءاته الصحفية أن الفيلم يناقش ( أثر التطورات التكنولوجية على المواطن العادى ) ، وهو بذلك يتحدث عن فيلم أخر لم يصنعه بعد ، فما يقدمه العمل تحديداً هو الإشارة إلى رغبة القنوات الفضائية فى الاستحواذ على الاهتمام الجماهيرى عن طريق استغلال المواطنين السذج أمثال البطل وتصوير بعض المظاهر السلبية داخل مصر ، وهو الأمر الذى تابعه أغلب الرأى العام العربى فى القضية الخاصة بالمذيعه ( هالة سرحان ) ، كما أنه أشار إلى أخطار شبكة الإنترنت على الفتيات الفقيرات ، وذلك من خلال شخصية فجر ( حورية ) شقيقة البطلة ، ومن الممكن حذفها دون أن تتأثر الأحداث .
بعد مرور عشرات الدقائق من بداية الفيلم ، يقرر خالد يوسف أن يصنع مشهداً متميزاً ، فيصور بطل الفيلم وهو يتخيل أنه يؤدى شخصية الفنان ( نجيب الريحانى) داخل أحد أفلامه ، ولكن هذا الوميض لا يستمر أكثر من لحظات لنتابع إيقاعاً شديد البطء وإضاءة غير ملائمة لطبيعة الفيلم الكوميدى و تمثيل شديد الركاكة من الفنانة شويكار .
وإذا كان المخرج يحاول الربط بين البطل وإبنه الوحيد طوال الأحداث ، فإنه يشير إلى موضوع فيلمه القادم أثناء نزول تترات النهاية ، حيث يتم تصوير الإبن وهو يجلس أمام العديد من أجهزة التلفزيون ، يعرض أحدهم أحد الخطابات الخاصة بالرئيس (جمال عبد الناصر) .