الفيلم
الإستعراضى فى مصر
مقدمة
يخلط البعض بين مصطلحات ( الفيلم
الموسيقى ـ الفيلم الغنائى ـ الفيلم الإستعراضى ) فيختصرون هذه الأنواع المختلفة
فى عبارات مقتضبة .
ويرى
الدكتور يوسف الملاخ (1) أن الفيلم الموسيقى :ـ هو نوعية من الأفلام
المسلية الخفيفة ، يحتوى على قدر كبير من الرقصات والأغانى ، ويجمع بين سمات
الأوبرا كوميك أو الفودفيل فى المسرح .
أما محمود قاسم (2) فيعرف
الفيلم الغنائى بأنه :ـ الفيلم الذى به أغنيات أياً كان الشكل الذى قدمت فيه
الأغنية سواء كانت فردية ، أو فى إطار دويتو ( ثنائى غنائى ) ، أو إستعراضات
متباينة الضخامة .
وترى مها فاروق عبد الرحمن (3) أن الفيلم
الإستعراضى هو عبارة عن مجموعة من المنوعات تشتمل على أغان ورقصات يربطها موضوع
بسيط للغاية لا يحتمل أى أبعاد أو أعماق فكرية ، وغالباً ما يكون موضوعاً كوميدياً
أو رومانسياً فى قالب هزلى .
ويرى
الناقد سامى السلامونى (4) أن أهم شروط الفيلم الإستعراضى :ـ أن
يكون البناء الدرامى كله قائماً على الإستعراض بحيث لا يقفز الناس ويغنون فجأة
بدون مناسبة وبدون ضرورة درامية ، ولمجرد أن يبدو الفيلم كوميدياً إستعراضياً
ظريفاً
ويتميز
الفيلم الإستعراضى عن الفيلم الغنائى فى إحتوائه على أكثر من مشهد إستعراضى ،
ويعتمد على الرقص الفردى أو الجماعى ، ويتوازن فيه أحياناً الغناء والرقص .
تطور الفيلم الإستعراضى المصرى
إذا
كانت السينما العالمية قد قدمت العديد من الأعمال الإستعراضية مثل ( قصة الحى
الغربى ـ كل هذا الجاز ـ مولان روج ) فإننا نلاحظ تمكن صناع السينما فى هوليوود من
تطوير مضمون الفيلم الإستعراضى ، وهو ما يظهر لنا من خلال فيلم ( chicago ) والذى تم إنتاجه عام 2002 ، وحصل على عدة جوائز أوسكار منها
أفضل فيلم وأفضل ممثلة مساعدة ، حيث عبر العمل عن مدى تأثير وسائل الإعلام على
أحكام القضاء الأمريكى فى بدايات القرن الماضى .
وإذا
كانت عروض البالية والرقص الحديث تفرض بإيقاعها الحركى مواصفات محددة للراقصين من
الشباب والفتيات ، فإن هذا الفيلم يغير هذه الصورة تماماً ، حيث تقوم السجانة
الزنجية البدينة بأداء إستعراض يلخص للمتلقى طبيعة شخصيتها .
وعلينا
أن نجزم بوجود إختلاف واضح بين عناصر الإستعراض فى الفيلم المصرى ونظيره الأجنبى ،
وذلك إستناداً على ما تقرره مها فاروق (5) بأن هذه العناصر تتشكل
من المطرب والراقصة وعدد من الأصوات المساعدة ، بالإضافة إلى مجموعة ( الكومبارس )
وهى تتكون عادة من الراقصين والراقصات ، يقومون أحياناً بترديد بعض الكوبليهات ،
حيث يبدو هذا التعريف للمشاهد المتمرس أقرب إلى فكرة الكبارية المبتذل ، وهو ما
يظهر لنا من خلال العديد من الأعمال فى السينما المصرية مثل فيلم (حب وجنون) بطولة
(محمد فوزى ـ تحية كاريوكا) وفيلم عفريتة هانم بطولة (فريد الأطرش ـ سامية جمال) ،
وإذا كان الإهتمام بالإستعراض يظهر داخل بعض التجارب السينمائية التى أنجزها
المخرج والممثل الراحل أنور وجدى مثل فيلمى ( دهب ـ ياسمين ) ، فإن المتأمل لهذه
الأعمال سيلاحظ حرص المخرج على إعطاء الإستعراضات حساً فكاهياً واضحاَ ، وهو ما
يظهر فى إستعراض ( البلياتشو ) فى فيلم دهب ، حيث قام الفنان الراحل إسماعيل ياسين
بإضفاء حالة من المرح عليه ، عن طريق توظيفه لطبقة صوته وتعبيرات وجهه .
وفى
عام 1950 تم عرض فيلم بابا عريس للمخرج حسين فوزى ، والذى يشير مدير التصوير سعيد
شيمى (6)
إلى أنه أول فيلم مصرى ملون بالكامل ، ويحتوى
هذا العمل على إستعراض عنوانه (دكان العرايس) ، ويرى الناقد سامى السلامونى (7)
أنه
إستعراضاً جميلاً ومتقدماً جداً بالنسبة لإمكانيات تلك الأيام ، ويتحدث عنه قائلاً
فالإستعراض إذاً كان يقوم على فكرة أقرب إلى القصة المحكمة ، وعلى التنوع السريع
بين الحركة والموسيقى المناسبة لها ، وعلى تغيير المناظر والملابس والشخصيات وثراء
الديكورات وعدد الرقصات ، ولكن هذه المزايا هى نفسها عيوب حسين فوزى فى معظم
إستعراضاته ، لأنها سينمائية أساساً ولا يمكن تنفيذها على المسرح .
وعلى
جانب أخر خاض المخرج حسن الإمام ، والذى قدم العديد من الأعمال التى تنتمى إلى
تيار الميلودراما مثل ( الجنة تحت قدميها ـ القضية المشهورة ـ غضب الوالدين ـ إبن مين فى المجتمع ) تجربة الفيلم الإستعراضى
من خلال فيلم ( إضراب الشحاتين ) والذى تم إنتاجه عام 1967 ، ويعرض صورة لتناقضات
المجتمع المصرى عام 1923 ، حيث تم تحويل المواقف الحوارية إلى جمل غنائية .
ومع
إنتشار الألوان فى السينما المصرية ظهرت العديد من الأفلام الإستعراضية مثل ( غرام فى الكرنك ـ أجازة نصف السنة
) والتى إشترك فيها أعضاء فرقة رضا للفنون الشعبية ( فريدة فهمى ـ محمود رضا ـ
هناء الشوربجى ) ، وفى عام 1969 قدم المخرج حسين كمال فيلم ( أبى فوق الشجرة ) ،
والذى إحتوى على إستعراض يحمل إسم ( قاضى البلاج ) ، ويتحدث مدير التصوير سعيد
شيمى عن دور الألوان فى هذا الفيلم قائلاً (8) :ـ أتوقف
كثيراً فى تفكيرى عندما أحلل الألوان فى فيلم ( أبى فوق الشجرة ) ، وسبب وقفتى تلك
التلقائية فى تناوله لإستعمال الألوان وبشكل كبير ، ودائماً السؤال الذى يدور فى
ذهنى هل إقترب وحيد فريد ( مدير تصوير الفيلم ) فى إستعمالاته اللونية من إسلوب
الوحشية فى الفن التشكيلى .
ونحن
نلاحظ ظهور الإستعراضات فى أعمال تحتوى على موضوعات جادة ، مثل فيلم ( بدور )
للمخرج نادر جلال والذى إحتوى على إستعراض داخل الوكر الخاص بالعصابة التى تنتمى
إليها بطلة الفيلم ( نجلاء فتحى ) على الرغم من أن أحداث العمل تدور فى الفترة
التى تسبق حرب السادس من أكتوبر ، والتى يشترك فيها البطل ( محمود ياسين ) ، وقد
أشار الدكتور عبد المنعم سعد (9) إلى وجود تشابه بين هذا الإستعراض وأحد
الإستعراضات الموجودة فى الفيلم الإنجليزى ( أوليفر ) ، ونرى أن قيام المخرج وهو
نفسه كاتب السيناريو بوضع هذا الإستعراض ضمن الأحداث ، إنما يرجع إلى رغبته فى جمع
أكبر قدر من المشهيات التجارية فى فيلم واحد ، حيث يسكن البطل فى منزل تعيش بداخله
راقصة ، كما تنشأ فى النصف الثانى من العمل مشاجرة بين العصابة وأهل الحارة
الأبرار ، وعلى جانب أخر فإن المشهد الأخير من فيلم ( أيام صعبة ) للمخرج فادى
فاروق 2009 ، يشهد قيام البطل ( هشام عبد الحميد ) بأداء رقصة يعتمد خلالها على
تعبيرات وجهه وجسده ، إبتهاجاً بنجاحة فى الكشف عن المجرم الحقيقى ، والذى قام
بقتل إبنه الوحيد .
وفى
عام 1975 قدم المخرج حسين كمال فيلم ( مولد يا دنيا) ، والذى إحتوى على عدد من
الإستعراضات مثل ( شبيك لبيك ـ الحلو والنبى ) ، ويرى مدحت محفوظ (10 ) أنه فيلم
موسيقى كبير نسبياً ، وجيد جداً بالمقاييس المصرية فى الإستعراض والغناء ، ويتحدث
الناقد سامى السلامونى عن الفيلم (11) قائلاً
:ـ ولكن عندما يكرر حسين كمال التجربة فى ( مولد يا دنيا ) فإنه يقترب أكثر
مما يمكن أن يكون قصة أو فيلماً إستعراضياً حقيقياً ، لأنه يقدم هذه المرة قصة
فرقة إستعراضية أولاً ، ومن هنا يصبح الغناء والرقص وظيفة طبيعية فى بناء الفيلم ،
ثم لأنه يقيم جزءاً مهماً من مسار الحدوته نفسها على الأغانى والرقصات .
وفى
عام 1976 وظف المخرج يوسف شاهين الإستعراض للتعبير عن علاقة الفرد بالسلطة من خلال
فيلم ( عودة الإبن الضال ) والذى إحتوى على إستعراضين قام بكتابتهما الشاعر ( صلاح
جاهين ) هما ( الساعة ـ الشارع لمين ) ، وفى عام 1986 تجدد التعاون بين هذين
العملاقين فى إستعراض ( حدوته حتتنا ) والذى قام بأدائه الممثل محسن محيى الدين فى
فيلم ( اليوم السادس ) ، ويشهد عام 1990 عرض فيلم ( إسكندرية كمان وكمان ) ، والذى
إحتوى على عدة إستعراضات ، إرتدى الراقصين خلالها ملابس تنتمى إلى عصور سابقة مثل
( الفرعونى ـ اليونانى ـ الرومانى ) .
كما
قدم المخرج شريف عرفة تجربتين فى هذا المجال هما ( سمع هس ـ يا مهلبية يا ) ،
وامتازت هذه الأعمال بطابعها الفانتازى الذى يصيغه ببراعه السيناريست ماهر عواد ،
وإذا كان عام 2004 قد شهد إستعراض قام به راقص البالية أحمد يحيى فى فيلم إسكندرية
نيويورك ، فإن المخرج خالد الحجر قد خاض تجربة إخراج عمل سينمائى يحتوى على عدة
مواقف غنائية عام 2007 ، وذلك من خلال فيلم ( مفيش غير كدة ) .
أما
بالنسبة للإسلوب الخاص بتقديم الاستعراضات على شاشة السينما ، فيرى المخرج سمير
سيف (12) أن المخرج
السينمائى يقوم باستخدام أكثر من كاميرا عند تصوير الأغانى و الإستعراضات ،
وبالتالى فإن فكرة تطابق الحركات من لقطة لأخرى موجودة بالطبع بين كاميرا وأخرى ،
لأن التصوير بين جميع الكاميرات يتم فى وقت واحد ، وتؤكد الدكتورة سلوى بكير (13) أن أهم
المشاكل التى تواجه المونتير فى الأفلام الإستعراضية هى عدم تزامن الصوت مع الصورة
، وإسلوب علاج هذه المشاكل يكمن فى مهارة المونتير عندما يقوم بالهروب من تلك
المشكلة ، والقطع على تفصيلات من داخل نفس المشهد .
ولعل
أغلب المشكلات التى تواجه الفيلم الإستعراضى المصرى ، وتتسبب فى عدم وصوله إلى
مستوى يقارب به الأعمال الأجنبية ، تتمثل فى :ـ
1ـ
قلة الكفاءات الفنية المتخصصة والتى تتعامل مع السينما كفن وليس كتجارة .
2ـ
عد تحقيق الأفلام الإستعراضية لإيرادات تذكر ، وهو ما تسبب فى تغيير بعض المخرجين
لمسارهم الفنى ، رغبة منهم فى الحفاظ على تواجدهم فى الحقل السينمائى .
3ـ
تحولت الأفلام الإستعراضية إلى ما يشبه المغامرة الفنية ، وهو ما يتضح من خلال
قيام المخرج شريف عرفة والسيناريست ماهر عواد بإنتاج فيلم سمع هس ، وقيام الفنانة
ليلى علوى بإنتاج فيلم يا مهلبية يا ، أما بالنسبة لتجارب المخرج يوسف شاهين ففنان
الفيلم ، فى هذه الحالة ، لا يهمه الرواج التجارى المؤقت للعمل ، نظراً لإعتمادة
على التمويل الأجنبى والبيع للمحطات الفضائية العالمية .
قائمة المراجع
1ـ يوسف الملاخ ، د. : المونتاج
السينمائى فى الأغنية والإستعراض ( القاهرة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، سلسلة
أفاق السينما ، 2004 ) ص18 .
2 ـ محمود قاسم :
الكوميديا والغناء فى الفيلم المصرى ، الجزء الثانى : نجوم المشهد الغنائى فى
تاريخ السينما المصرية ( القاهرة ، المركز
القومى للسينما ، سلسلة ملفات السينما 13 ، 1999 ) ص1 .
3ـ مها فاروق عبد
الرحمن : أزياء الإستعراض فى السينما المصرية ( القاهرة ، الهيئة العامة لقصور
الثقافة ، سلسلة أفاق السينما ، 2002 ) ص22 .
4 ـ يعقوب وهبى : الأعمال
الكاملة للناقد سامى السلامونى ـ الجزء الثالث (القاهرة ، الهيئة العامة لقصور
الثقافة ، سلسلة أفاق السينما ، 2001 ) ص124 .
5ـ مها فاروق عبد
الرحمن : أزياء الإستعراض فى السينما المصرية ، مرجع سابق ، ص23 .
6 ـ سعيد شيمى : تاريخ
التصوير السينمائى فى مصر 1879ـ 1996 (القاهرة ، سلسلة ملفات السينما 6 ، المركز
القومى للسينما ، 1997 ) ص171.
7 ـ يعقوب وهبى : الأعمال
الكاملة للناقد سامى السلامونى ـ الجزء الرابع (القاهرة ، الهيئة العامة لقصور
الثقافة ، سلسلة أفاق السينما ، 2002 ) ص539.
8 ـ سعيد شيمى : إتجاهات
الإبداع فى الصورة السينمائية المصرية (القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2003 )
ص238 .
9ـ عبد المنعم سعد ، د.
: السينما المصرية فى موسم 1974 ( القاهرة ، توزيع : الهيئة المصرية العامة للكتاب
، 1975) ص 98 ـ 99 .
10ـ مدحت محفوظ: دليل الأفلام
( القاهرة ، الناشر:ـ مكتب المؤلف ، 1998)
، ص361
11 ـ يعقوب وهبى : الأعمال
الكاملة للناقد سامى السلامونى ـ الجزء الثانى (القاهرة ، الهيئة العامة لقصور
الثقافة ، سلسلة أفاق السينما ، 2001 ) ص18.
12ـ يوسف الملاخ ، د. :
المونتاج السينمائى فى الأغنية والإستعراض ، مرجع سابق ، ص114 .
13 ـ المرجع السابق ،
ص138 .
هناك تعليق واحد:
thx
كشف تسربات المياة
غسيل خزانات
شركة نظافة عامة
إرسال تعليق