إذا قام شخص ما بسؤال أحد كتاب السيناريو ، عن أسرع طريقة لتقديم شخصية درامية ، فسيصمت قليلاً ، ثم يرشده إلى بعض الأفلام المصرية و الأجنبية ، وقبل إنصرافه من الجلسة التى ستجمعهما ، سيهمس فى أذنه بضرورة مشاهدة فيلم رامى الإعتصامى ، ففى أول ثلاث مشاهد يظهر فيها رامى ( أحمد عيد ) ، يستطيع السيناريست لؤى السيد إعطاء المتلقى ملخص لشخصيته ، ويشمل هذا الملخص وضعه الإجتماعى ، بالإضافة إلى علاقاته بأصدقائه و بالفتاه التى يحبها من طرف واحد ، كما يلقى الضوء على الحدث الذى سيبنى عليه أحداث الفيلم وهو قيام البطل بإنشاء جروب على موقع ( الفيس بوك ) يطلب فيه تغيير النشيد الوطنى .
هذا التقديم المكثف لشخصية البطل ، وهو يختلف عن كثير من أبطال الأفلام الشبابية فى نقطة رئيسية وهى أنه شخص لا يثير تعاطف المتلقى طوال جزء كبير من أحداث الفيلم ، وذلك لأن كل تصرفاته إنما تنبع من حالة الخواء التى يعيش فيها ، والتى من أبرز سماتها شغفه بفتيات الليل اللاتى تنتمين إلى الأحياء الشعبية. وذلك على العكس من الشخصية الأكثر إنسانية ، وهى كاكا ( ريكو ) ، فظروفه الإجتماعيه تدفع إلى التعاطف معه ، فهو يعانى من الفقر وعدم القدرة على الزواج من حبيبته فوزية (أيتن عامر) ، مما يذكرنا بهذا العامل (إسماعيل فرغلى) والذي ظهر فى مشهد واحد ، يشكو فيه من ظلم صاحب المصنع الذى يعمل بداخله ، طارحاً فكرة الإعتصام التى اقتبسها منه البطل .
عدة رموز ينثرها كاتب السيناريو والمخرج على مدار هذا الفيلم ، يتم التعبير عن بعضها عن طريق الانتقال بين الشخصيتين الرئيسيتين (رامى ـ كاكا) ، فالمخرج يعرض فى أحد المشاهد جزء من فيلم ( الأرض ) للمخرج يوسف شاهين ، فى التلفزيون الموجود داخل خيمة البطل ، وذلك بعد فقدان أهل العشوائيات لمكان إقامتهم ، بينما يزرع كاتب السيناريو شخصية عسكرى أمن مركزى فقير ، يرغب فى العودة إلى قريته ، والزواج من حبيبته ، ويؤدى دوره الممثل (محمد رمضان) ، مقتنعاً فى قرارة نفسه ، بأنه يقدم دوراً خالداً ، يماثل ما قدمه الفنان (أحمد ذكى) فى فيلم البرىء للمخرج (عاطف الطيب) ، ولكنه ينسى فى ذروة حماسة أن المؤلف لم يجعل مصير شخصيته هو الموت فقط ، بل جعل النسيان هو مصيرها الأوحد برغبته الواضحة فى إضفاء حس كوميدى على الشخصية عن طريق صورة خطيبته القبيحة ، والتى يركز عليها المخرج فى لقطة مقربة (close up).
عملية ( قص و لصق) يقوم بها صناع العمل من عدة أفلام مختلفة ، فهناك فيلم عايز حقى للمخرج (أحمد جلال) سبق وأن ظهرت فيه فكرة التدخل الأجنبى الراغب فى تشجيع أى أنشطة مضادة لسياسة الدولة ( بيع المال العام فى الفيلم الأول ، وتغيير لون ونشيد علم مصر فى الفيلم الثانى ) ، وهناك إختيار نفس الممثل ( أحمد راتب ) لشخصية المسئول الأمنى الذى يقف على الحياد دائماً ولا يهمه سوى مصلحة الوطن ، والتى ظهرت سابقاً فى فيلم ( أنا مش معاهم ) للمخرج أحمد البدرى ، أما النقطة الأهم فهى هذا التقديم الموضوعى من وجهة نظر صناع العمل للتيار الدينى ، فإذا تأملنا شخصيات الفيلم ، والتى قام المؤلف بتقسيمها إلى فئات ثلاثة سنجد أن التعميم هو الصفة الغالبة ، فرامى وأصدقاؤه منحلون يشربون الخمر ، وينفقون أموالهم فى إقامة الحفلات الصاخبة ، أما أهالى العشوائيات فبالرغم من كون بعضهم يسرق من أجل سد جوعه ، ويحاول استغلال الإعتصام لتحقيق مكاسب مادية ، إلا أن هذا لا يجعلهم يفرطون فى شرفهم والذى دافعت عنه فوزية عند محاولة رامى إغتصابها ، فى أحد أكثر المشاهد إضحاكاً ، أما التيار الدينى فقائدهم أبو المواهب ( إيهاب فهمى ) يكره العنف ، على العكس من مساعده ، و يوضح السيناريو موقفة من عملية الفوضى التى تسببت فى مقتل الجندى ، وهو ما يذكرنا بشخصية الطالب المعتقل ( مجدى بدر ) فى فيلم المخرج أحمد البدرى السابق ذكره ، و محاولة السيناريو أن يكسب تعاطف المشاهد معه من خلال الكلمات الرقيقة التى إحتوى عليها خطابه الذى أرسله إلى والدته .
بينما تتأخر ردود أفعال بعض الشخصيات ، مثل طلب رئيس الوزراء من مساعدة إمداده بملفات كل من ( رامى ـ كاكا ـ أبو المواهب ) ، وذلك بعد إستماعه إلى إقتراحاتهم من أجل تغيير النشيد ، وهو ما كان يجب أن يحدث بمجرد ظهور كل منهم أمام مبنى رئاسة الوزراء ، تذكرنا نهاية الفيلم بعملان الأول هو فيلم هانى رمزى السابق ذكره ، والذى أكد فى ختامه على وجود بند جديد فى الدستور المصرى سيعمل على تطبيقه ، أما الثانى فهو فيلم صايع بحر للمخرج على رجب ، والذى وقف فيه كل من تاجر المخدرات ومحافظ الأسكندريه جنباً إلى جنب فى حفل زفاف البطل ساعين إلى مجاملته وإلى .. إسعاد المشاهدين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق