هناك ملاحظة هامة متعلقة بجوائز الأوسكار ، وهى أن كثير من الممثلين الحاصلين على هذه الجوائز قد قاموا بأداء شخصيات مريضة سواء كان مرضاً نفسياً أو عضوياً مثل داستين هوفمان فى فيلم ( رجل المطر ) أو جيمى فوكس فى فيلم (راى) ، كما ظهرت أعمال أخرى تحتوى على شخصيات تعانى من مرض خطير ، بحيث تنتهى أحداث العمل بوفاتها ، سواء كانت هذه الوفاة طبيعية مثل فيلم ( Terms of Endearment ) ، أو كانت بناء على رغبة الشخص نفسه مثل فيلم ( mar adentro ) ، والذى حقق فيه البطل حلمه بالتخلص من آلامه الشديدة.
ويأتي فيلمنا (The.Diving.Bell.And.The.Butterfly. ) وترجمته قناع الغوص والفراشة ، مكملاً لهذه النوعية من الأفلام ، فإذا بحثنا عن علاقة العنوان بمضمون الفيلم ، سنجد أنه يلخصه تماماً ، فقناع الغوص إنما يمثل ذروة اليأس المرتبط بالمكوث فى قاع البحر ، أما بالنسبة للفراشة فهى ترمز إلى الحرية والانطلاق وهو ما يرتبط بفكرة الأمل ، وبين اليأس والأمل تتمحور حياة البطل ، فهو مصاب بمرض أقعده عن الحركة ، ولم يتبقى له سوى إحدى عيناه بالإضافة إلى عقله ، والذى مكنه من تأليف كتاب يحمل الفيلم إسمه .
إن وجود شخصية درامية أمامنا تعانى من إعاقة ما ، إنما يثير فى أنفسنا شعوراً بالشفقة عليها على الفور ، وبالتالي فإن مؤلف العمل الذى يحتوى على هذه الشخصية ، لن يضطر إلى إيجاد مبررات لتصرفاتها بغرض التأثير على المتفرج ، بل أنه سيحولها إلى شخصية بيضاء تماما ، نقية فى كل تصرفاتها ، وهو ما لم يقم به كاتب سيناريو هذا الفيلم ، فهذا البطل الراقد دون حراك ، يتحول فى لحظة إلى شخص بلا قلب ، إذ يطلب من زوجته أن تخبر صديقته فى التليفون بأنه يحتاجها بجواره ، وذلك عن طريق عيناه .
التواصل بين البطل ومن حوله لا يتم عن طريق الحوار المباشر ، وإنما يتم من خلاله حركة عيناه ، وهو ما يصيبه بالإرهاق فى بعض الأحيان ، فيتمنى أن يقوم بإغلاقها ، و تأكيداً لأهمية التواصل فى حياته ، فإن البطل يقتصر ظهوره قبل موافقته على إقتراح الممرضة الخاصة به ، على مجموعة لقطات لأجزاء من وجهه أثناء قيام كل من المخرج والسيناريست ، بتقديم طبيعة الوظيفة التى كان يعمل بها البطل قبل إصابته ، ولكن بعد أن يبدأ فى التواصل معها ، فإن البطل يظهر أمامنا بكامل هيئته ، ويستخدم كاتب السيناريو المونولوج الداخلي على مدار الفيلم ، معبراً به عن مشاعر البطل ، فهو يبدى إعجابه بالممرضات فى بعض الأحيان ، و يعلن عن إحساسه الدفين بالحزن أثناء جلوسه مع أطفاله بجوار الشاطئ .
ثمة كآبة تسيطر على حياة البطل سواء فى واقعه أو أحلامه أو ذكرياته ، فهو يعانى من الوحدة يوم الأحد من كل إسبوع لأن المستشفى تكون خاليه من الحركة التى تجعله يشعر بأنه مازال حياً ، ويرصد المخرج صورة له وهو فى حالة حزن أثناء تذكره للحظة مليئة بالشجن جمعته بوالده العجوز .
و يتم سرد أحداث الفيلم من خلال وجهة نظر البطل ، فالكاميرا يتم وضعها لتجسد الجزء الذى يراه داخل الكادر ، فعندما تأتى زوجته لمقابلته فى بداية الفيلم ، فإن الكاميرا ترصدها أثناء حديثها مع الطبيب ، بحيث يظهر جسديهما بأكمله على الشاشة باستثناء الجزء الأعلى من الوجه ، وعندما يعانى البطل فى نهاية الفيلم من إختفاء حاسة الإبصار فإن المخرج يستخدم مؤثراً بصرياً بحيث لا نكاد نتعرف على طبيعة الشخص الذى يتوجه إليه بالحديث .
سؤال هام يظهر أمامنا أثناء متابعتنا للدراما التقليدية ، وهو يختص بطبيعة الحدث الدرامى الذى ترتبت عليه أحداث العمل السينمائى ، فإذا كان العمل بوليسياً يبقى السؤال النمطى الشهير (من القاتل) ، وفى فيلمنا هذا يدخر المؤلف السبب الحقيقى لإصابة البطل ، ليفاجئنا فى النهاية أنه ليس ناتجاً عن تعرضه لحادث سير مثلاً ، وإنما جاء بسبب قدري ، فهل أراد الله إختبار قدرته على الصمود والتحمل ، أم أن ما فعله جاء عقاباً له عن عدم إحساسه بزوجته التى تعشقه ، أفضل ما قام به السيناريست أنه ترك الفرصة أمامنا لكى نحكم على الأحداث التى نشاهدها بحيادية تامة .
يرى البعض أن هناك نوعين من الأفلام ، الأول نوع نتمنى أن نصنعه، أما الثانى فنندم على مشاهدتنا له ، ولكنى أضيف نوعاً ثالثاً وهو الأعمال التى لا نستطيع أن نصنع مثلها ، لأننا بمجرد قيامنا بمحاولة بسيطة فى هذا الأمر ، سيلقى علينا مؤلف تلفزيونى شهير ، جملة واحدة هى ( لم أستمتع بفيلمك ) .
هناك تعليقان (2):
تحليل جيد ومدونة موضوعية جدا
واحييك على دأبك ومواصلتك فيها
بس محتاجة شوية صور تكسر كتل الكلام وياريت الخط كمان يكون اكبر عشان الكلام يبقي واضح
دي ملاحظات على الشكل لكن المضمون ممتاز
فعلا نقد ممتاز وانا بعتبر المشهد الثلاثي الي بين البطل والزوجة والعشيقة من احلي المشاهد في السينما عموما
ياريت الخط بس يكبر شوية
إرسال تعليق