الاثنين، 19 يوليو 2010

الثلاثة يشتغلونها ... السينما الإنهزامية



منذ أن قدم فيلم (الواد محروس بتاع الوزير) إخراج نادر جلال ، قرر المؤلف (يوسف معاطى) ترسيخ فكرة المواطن المصرى الصالح فى أعماله المختلفة ، مؤكداً على طيبة رجال الشرطة فى فيلم (عريس من جهة أمنية) إخراج على إدريس ، وموضحاً مدى ترابط عنصرى الأمة فى فيلم (حسن ومرقص) للمخرج رامى إمام ، بل يؤكد أن رجال الأعمال الفاسدين إناس طيبون بالفطرة لا يمانعون فى مساعدة المواطنون البسطاء فى فيلم (بوبوس) ، كما يؤكد أن المثقفون هم مجموعة من المدعين يحتسون الخمور عند القبض على إحدى فتياتهم فى فيلم (السفارة فى العمارة) ، ويسارعون بالهروب من المظاهرات فى فيلم (طباخ الريس) ، أما المواطن العادى فى أفلامه فهو إما شاب أبله ضعيف الشخصيه يتزوج ويعمل بناء على إرادة والده مثل فيلم (التجربة الدانمركية) ، أو أسرة تعانى من الحرمان الجنسى مثل أسرة رأفت (أشرف عبد الباقى) فى فيلم المخرج وائل إحسان (السابق ذكره) ، ويقدم المؤلف فى فيلم (الثلاثة يشتغلونها) أسرة مشابهة ينصاع فيها الأب لقرار فصله من المصنع بدون وجه حق ، ويوفقه الله للعمل على ماكينة تصوير المستندات ، فيبدو قانعاً رغم كل ما يمر به من ظروف وأزمات حتى يحظى بتعاطف المشاهد المصرى العادى ، ويواصل الكاتب طرح أفكاره المستهلكة فى هذا العمل ، فيقرأ المثقف اليسارى مجلة أطفال ، ويغرق الشاب الأرستقراطى فى اللهو والمجون ، بينما يؤكد الداعية الشاب على فساد الدعاة الجدد ، ولكن ما لم يدركه (يوسف معاطى) أن معظم الشعب المصرى يعتبر هؤلاء الدعاة عبارة عن مجموعة من الملائكة أرسلها الله لكى تساعده فى دخول الجنة ، مما يفسد أى محاولة لتغيير هذه الصورة .
ونحن نفاجأ أثناء مشاهدة العمل أن التترات المنفذة عن طريق الرسوم  المتحركة تشبه مضمونه تماماً ، إذ يخلو العمل من شخصية يتفاعل معها المشاهد ويصدقها ، فمهرجان الأنماط الذى إشترك فى صناعته مخرج الفيلم ( على إدريس ) جعل الشخصيات تتحرك وتتكلم وتعبر عن أفكارها بحيادية تامة ، فالشرطى (محمد لطفى) يكتفى بالصراخ ، وفى أحد المشاهد يسخر من الإنتماءات السياسية للمثقف ، حيث يهلل المؤلف لأفكار الشعب المصرى عن ضرورة الإبتعاد عن العمل العام حتى لا يتعرض الفرد لمصير أبطال فيلم ( الكرنك ) ، أما مسئول وزارة التربية والتعليم ( طفى لبيب) فهو يعلن غضبه الشديد فور عمله بالتغييرات التى حدثت للأطفال ، بالرغم من أنه يستطيع إغلاق المدرسة بإشارة واحده .
ويمتد الفقر الفكرى ليشمل الأماكن التى تدور بها الأحداث مثل (منزل البطلة وقسم الشرطة والفصل) حيث نشاهد نفس الموقف كل فترة مع اختلاف ردود الأفعال ، بينما تتعدد أماكن التصوير فى الجزء الدعائى الأخير الذى يكرس لفكرة المواطن الصالح ، عندما تقوم نجيبة بتغيير إسلوبها وتحصل على لقب المدرسة المثالية ، وهو لقب زائف تماماً فهى لم تفعل شيئاً تستحق عليه المكافأة ، فالسيد المؤلف قد إستوعب متطلبات الشعب الأبله ، فلابد للإبن من الحصول على الدرجات النهائية سواء كان يحب ما يقوم بدراسته أو يكرهه ، وعلى هذا فإن هؤلاء الأطفال قد تمكنوا من الحصول على أعلى الدرجات نظراً لقيامهم بحفظ المقررات ، ومما لاشك فيه أن الفتيات سيتحولن إلى نسخة من نجيبة فور وصولهن إلى الجامعة .
ظللت أتذكر فيلمى ( school of rock  ، dead poet society ) أثناء مشاهدتى لهذا الشريط ، فهى أعمال تعطى الأولوية لكرامة الفرد وحريته ، وتنادى بضرورة إستغلال الطلاب لمواهبهم ، أما نحن فيسعى السينمائيين لكى يقدمون نموذجاً يحتذى به وهو المدرس المثالى ( رمضان مبروك أبو العلمين حمودة ) ، والذى إرتعد أثناء جلوسة بمكتب سكرتير وزير التربية والتعليم ، بينما إنهال بالضرب على أطفال القرية الأبرياء .

الأربعاء، 20 يناير 2010

كلمنى شكراً ....... عندما ينقلب السحر على الساحر




يثير الشريط السينمائى الأخير للمخرج خالد يوسف ، والذى يحمل إسم ( كلمنى شكراً ) العديد من التساؤلات والتى تدور فى مجملها حول علاقة الفنان بجمهوره ، فإذا كان مئات الشباب يعبرون عن غضبهم فور مشاهدتهم للمقدمات الإعلانية الخاصة بأعماله السينمائية ، وذلك عن طريق كتابة التعليقات فى مواقع الإنترنت المختلفة ، أو داخل الجروبات الموجودة على الموقع الإلكترونى الشهير الـ (  face book ) والتى يحمل بعضها إسم ( كارهى المخرج خالد يوسف ) ، فإن المردود الجماهيرى لأفلامه فى شباك التذاكر يأتى موازياً لحالة الرفض العامة لأفكارة ونوعية موضوعاته ، وكأن هناك مباراة لا تنتهى بين فريقين يصر كل منهما على هزيمة الأخر ، قبل أن تنتهى بخسارة الجميع .
يمتلك المخرج خالد يوسف كثير من الثقة بالنفس فهو يدفع بمجموعة من الممثلين قد لا ينتبه إليهم كثير من المخرجين ، مثل (عمرو سعد ـ صبرى فواز ) ، كما يرغب أحياناً فى التعاون مع بعض الممثلين ممن توقفوا على ممارسة فن التمثيل السينمائى مثل الفنانة شويكار والتى تشارك فى أخر أعماله ، ومصدر هذه الثقة تكمن فى تأكده الواضح من أن الجمهور العادى يثق فيه ، وهو ما يقودنا إلى السؤال الشهير ، لماذا تنجح أفلام خالد يوسف ؟ .
والإجابة هى ( لنفس أسباب فشل أعمال يسرى نصر الله وأسامة فوزى ) ، فبالرغم من أن الثلاثة مخرجين يتعرضون للسباب دائماً من الجمهور العادى عند عرض أعمالهم ، إلا أن المشاهد يعتبر تجارب مثل جنينة الأسماك أو جنة الشياطين لهى أعمال تتعالى عليه ، تتحدث عن أشخاص لا يمرون بمشاكلهم اليومية الموجودة على صفحات الجرائد ، ولا يعانون من أجل الحصول على لقمة العيش ، وذلك على عكس من أفلام خالد يوسف الأخيرة ، فهو يتعمد اختيار قصص شديدة البساطة مثل الأب الذى يفرق بين أبنائه فى المعاملة فيقتل أحدهما الأخر ( دكان شحاتة ) ، بالإضافة على أفكار حققت رواجاً فى السنوات السابقة مثل الفتاة التى تحمل سفاحاً ويرفض حبيبها الاعتراف بالجنين ـ والأبناء الذين يقسون على والدتهم العجوز وذلك فى فيلم ( حين ميسرة ) ، كما أنه يضفى بعداً سياسياً على مشاهد الأعمال ، عن طريق إبرازه لنشرات الأخبار والمانشيتات الصحفية التى تتحدث عن أهم التطورات السياسية والاجتماعية فى مصر .
من الأمور المتكررة فى أفلام خالد يوسف ، والتى تظهر على أشدها فى فيلم (كلمنى شكرا) ، أن يدور جزء من أحداث الفيلم داخل قسم الشرطة ، كما تصور الكاميرا الممثلين وهم يبكون فى مواقف ميلودرامية تماماً ، تهدف إلى الحصول على تصفيق المشاهدين ، وهو ما يمكن تطبيقه بشكل واضح على المشهد الخاص بقيام أحد مخرجى البرامج التلفزيونية بتصوير حلقة عن التعذيب داخل أقسام الشرطة ، فيستعين بإبراهيم توشكى ( عمرو عبد الجليل ) ووالدته ( شويكار ) حيث يفترض المشهد أن يصفع البطل والدته فيرفض ولكنها تمسك بيده وتصفح بها نفسها .
مشكلة فيلم ( كلمنى شكرا ) أنه وعد الجمهور بما لم يقدمه ، فالإعلان يعطى انطباع بفيلم كوميدى من الطراز الأول ، فإذا بالممثلين المساعدين يتفوقون فى خفة الظل على البطل ، كما توقع الجمهور أن يحتوى العمل على مشاهد جنسية كفيلم (الريس عمر حرب) ، فإذا بالأمر يقتصر على مشاهدة سيقان الفنانة (غادة عبد الرازق) ، بل أن مشاهد المشاجرات والانفجارات التى تواجدت فى فيلم (خيانة مشروعة) إختفت تماماً ، وعندما تهيأ المشاهد لمتابعة معركة أهل الحارة مع البلطجية وزعيمهم صلاح (ماجد المصرى) إنتهى القتال قبل أن يبدأ ، وحتى مشاهد الصراع على الماء والخبز التى تواجدت فى ( دكان شحاته ) بدت فقيرة وانتهى الخط الخاص بصاحب المخبز والذى يقوم ببيع الدقيق المدعم فى السوق السوداء بنهاية أخلاقية تماماً ( إصابة نجله الوحيد بالعمى ) .
يؤكد المخرج فى جميع لقاءاته الصحفية أن الفيلم يناقش ( أثر التطورات التكنولوجية على المواطن العادى ) ، وهو بذلك يتحدث عن فيلم أخر لم يصنعه بعد ، فما يقدمه العمل تحديداً هو الإشارة إلى رغبة القنوات الفضائية فى الاستحواذ على الاهتمام الجماهيرى عن طريق استغلال المواطنين السذج أمثال البطل وتصوير بعض المظاهر السلبية داخل مصر ، وهو الأمر الذى تابعه أغلب الرأى العام العربى فى القضية الخاصة بالمذيعه ( هالة سرحان ) ، كما أنه أشار إلى أخطار شبكة الإنترنت على الفتيات الفقيرات ، وذلك من خلال شخصية فجر ( حورية ) شقيقة البطلة ، ومن الممكن حذفها دون أن تتأثر الأحداث .
بعد مرور عشرات الدقائق من بداية الفيلم ، يقرر خالد يوسف أن يصنع مشهداً متميزاً ، فيصور بطل الفيلم وهو يتخيل أنه يؤدى شخصية الفنان ( نجيب الريحانى) داخل أحد أفلامه ، ولكن هذا الوميض لا يستمر أكثر من لحظات لنتابع إيقاعاً شديد البطء وإضاءة غير ملائمة لطبيعة الفيلم الكوميدى و تمثيل شديد الركاكة من الفنانة شويكار .
وإذا كان المخرج يحاول الربط بين البطل وإبنه الوحيد طوال الأحداث ، فإنه يشير إلى موضوع فيلمه القادم أثناء نزول تترات النهاية ، حيث يتم تصوير الإبن وهو يجلس أمام العديد من أجهزة التلفزيون ، يعرض أحدهم أحد الخطابات الخاصة  بالرئيس (جمال عبد الناصر) .

Coco Avent chanel ......... وأفلام السيرة الذاتية




تنقسم أفلام السير الذاتية للأدباء والسياسيين والفنانين إلى نوعين ، النوع الأول تتناول فيه الأعمال حياة الشخص باستفاضة ويتم من خلالها إستعراض تفاصيل حياته بأكملها وقد تنتهى بوفاة البطل مثل فيلم ( مالكوم إكس ) الذى رشح عنه الفنان دينزل واشنطن لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل ، أما النوع الثانى فيتم التركيز فيه على فترة محددة من حياة البطل مثل فيلمى 
( capote) إخراج بينيت ميللر والذى تناول قيام الصحفى ترومان كابوت 
( فيليب سيمور هوفمان ) بتأليف أحد أهم إبداعاته .
ويكتسب فيلم  (Coco Avent chanel ) أهميه كبرى نظراً لأنه الفيلم الثانى الذى يدور حول هذه الشخصية بعد الفيلم التلفزيونى  (Coco chanel ) إخراج كريستيان دوجواى ، والذى تم إنتاجه عام 2008 ، وقامت ببطولته الفنانة الكبيرة (شيرلى ماكلين) ، كما أن مخرجته 
( ان فونتين ) إمرأة ، فهى قطعاً لم تختر هذا الموضوع بمحض الصدفة ، بل لأنها تثق تماماً فى تقديمها رؤية مختلفة لهذه الشخصية الإستثنائية .
تقرر المخرجة / المؤلفة منذ بداية العمل أن تجعل الأحداث تختلف تماماً عن الفيلم التلفزيونى الذى سبق عرضه ، فتعبر عن فترة الطفولة الخاصة بالبطلة فى لقطات قليلة يتم التأكيد من خلالها على عنصرين الأول هو إفتقادها للأب وهو ما جعلها تدخل فى علاقة مع شخص يكبرها سناً عندما تبلغ سن الشباب ، أما العنصر الثانى فهو تطلعها الدائم ، فأسماء العاملين بالفيلم تتسرب بهدوء على الشاشة بينما تتأمل كوكو الطفلة العالم الخارجى وهو ما يتكرر بعد ذلك عند دخولها لمنزل الثرى بالسان ( بينويت بويلفوردى ) لأول مرة حيث تتابع البطله فى هذه المشاهد محتويات المنزل من أثاث وتحف غالية الثمن .
ويؤكد السيناريو على مهارة البطلة فى مجال تصميم الأزياء فى عدة مواضع ، فالبطلة تقوم بإصلاح الزى الخاص بشقيقتها حتى تستطيع ارتداءه فى أحد المشاهد ، كما تقوم بتغيير القبعة الخاصة بإحدى السيدات بأخرى مناسبة الفستان الذى ترتديه فى إحدى السهرات ، ويشير إلى إحتقار الطبقة الأرستقراطية للفن ، عندما يصوب بالسان الأسهم تجاه لوحه معلقة على الحائط .
وإذا كانت المخرجة تمنح المشاهد عبارة مجانيه فى النهاية وهى ( لقد كانت كوكو شانيل نموذجاً للمرأة العصرية ) ، فإنها تفشل فى التعبير عن معنى الجملة السابقة على مدار الأحداث ، فالفيلم لا يركز على أهم ما يميز إبداعاتها فى مجال تصميم الملابس ، فمعظم الأحداث تدور حول علاقة كوكو ( أودرى تاتو ) بعشيقها العجوز ، بل أن البطلة لم تفكر فى الإستقلال المادى عنه بعد تحولها لمصممة أزياء .
وعلى جانب أخر تهتم المخرجة باللقطات العامة التى تستعرض من خلالها المناظر الطبيعية الخلابة أثناء قيام البطلة بالتوجه إلى منزل بالسان ، كما تتمكن من التفرقة بين علاقة البطلة به القائمة على المنفعة المادية البحتة وحبها لبوبى ( أليخاندرو نيفولا ) عن طريق إختيار توقيت مشاهد ممارسة الحب ، فإذا كانت مشاهد كوكو مع بالسان تدور دائماً فى المساء ، فإن اللقاء الأول الذى يجمعها ببوبى بعد تركها للمنزل بشكل مؤقت يتم داخل سيارته نهاراً .
كما يعانى الفيلم من بطء الإيقاع فى كثير من أجزاءه بسبب سيطرة طول الحوار وإعتماد المؤلفة عليه فى توصيل أفكارها ، ويدل المشهد الأخير والذى تتذكر فيه البطله حياتها الماضيه بشكل سريع أثناء أحد عروض الأزياء على ضعف التناول حيث أنه يقدم للمشاهد مجموعه من المشاعر التى وصلت إليه بالفعل على مدار الأحداث ، كما أنه يختزل رحلة صعود البطلة بشكل مخل ودون أى تمهيد .


الأحد، 27 ديسمبر 2009

حصاد بانوراما الفيلم الأوروبى



مما لاشك فيه أن أكثر ما يميز برنامج ( بانوراما الفيلم الأوروبى) الذى أقامته شركة أفلام مصر العالمية ، هو التنوع فى الموضوعات ما بين التاريخى والإجتماعى والسيرة الذاتية ، ويمتد هذا التنوع ليشمل الضيوف المشاركين فى تقديم الندوات التى تعقب عروض الأفلام فهناك المخرجون مثل ( محمد خان) ، والنقاد ( د/ رفيق الصبان ) ، بالإضافة إلى بعض الممثلين المصريين مثل (خالد أبو النجا ) ، و قد يأتى أحد صناع الفيلم لتتحول الندوة من مجرد نقاش إلى تبادل للأراء بين المتلقى ومبدع العمل الفنى ، كما يمكننا ملاحظة عدة نقاط مشتركة بين هذه الأعمال .
1ـ الإنتماء إلى سينما المؤلف :ـ فهناك العديد من الأعمال ينفرد المخرج بمهمة كتابة السيناريو مثل فيلم ( الأحضان المكسورة للمخرج بيدرو ألمودوفار ) ، وفى أحيان أخرى يستعين المخرج بشخص أخر ليشاركه كتابة السيناريو ، سواء كان مؤلفاً محترفاً مثل (Robert Alberdingk Thijm ) مؤلف فيلم (دنيا وديزى) ، أو يمت لفنان الفيلم بصلة قرابة مثل استعانة مخرجة فيلم (coco avent chanel ) بشقيقتها ، كما جاءت بعض الأعمال مستوحاة من تجارب شخصية لصانعيها مثل فيلم ( this is england ) .
2ـ الحنين إلى الأب :ـ فنحن نلاحظ أن عدداً من شخصيات العمل يعانون من إفتقاد الأب سواء كان غائباً عنهم لسنوات طويلة مثل بطلة فيلم ( كوكو شانيل ) ، أو مازال على قيد الحياة مثل بطلة فيلم ( أربع دقائق ) ، وقد يتحول الأب إلى رمز سياسى مثل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى فيلم ( الزمن الباقى ) للمخرج إيليا سليمان .
3ـ مناقشة قضايا القهر الإنسانى :ـ فالقهر فى هذه الأعمال يبدأ من إجبار الأطفال الفلسطينيين على أداء الأغانى التى تمجد إسرائيل داخل المدرسة فى فيلم (الزمن الباقى) ، مروراً بالمعاملة السيئة التى يعانى منها العرب والمسلمين المقيمين فى فرنسا فى فيلم (يوم التنورة ) ، وإنتهاء بحرمان العازفة الموهوبة من البيانو الذى يمثل بصيص الأمل الوحيد أثناء وجودها داخل السجن فى فيلم ( أربع دقائق ) .
4ـ علاقة عناوين الأفلام بمضمونها :ـ ففى بعض الأعمال يستوحى العنوان من عبارة نطقت بها إحدى الشخصيات الرئيسية مثل إقتراح البطلة تخصيص يوم لإرتداء التنورات فى فيلم ( يوم التنورة ) ، وقد يرتبط بإحدى اللحظات الحاسمة فى حياة البطل مثل الأربع دقائق التى تستغرقها بطلة الفيلم الألمانى فى عزف مقطوعتها الموسيقية قبل عودتها إلى السجن مرة أخرى ، وتحتوى عناوين أعمال أخرى على أسماء شخصياتها مثل ( كوكو شانيل ـ أيام إيما بلانك الأخيرة ) .
5ـ مشاركة الأفلام المعروضة فى أكبر المهرجانات الدولية :ـ وهو ما يظهر من خلال الفيلم الهولندى ( أيام إيما بلانك الأخيرة ) والذى شارك برنامج "أيام فينيسيا" فى مهرجان فينيسيا السينمائى 2009 ، وفيلم الزمن الباقى الذى شارك فى العديد من المحافل العالمية مثل مهرجانى ( كان وأبو ظبى ) هذا العام .
6ـ أثبتت هذه الأعمال ( باستثناء فيلم أجورا ) أن الإنتاج الضخم لا يصنع فيلماً جيداً ، فمعظم التجارب التى عرضت ضمن البانوراما ، قد تميزت بابتكاريه أفكارها ، وعدم الإستسلام إلى أشكال الفيلم التجارى التقليدى ، كما جنح العديد من المخرجون إلى ممثلين غير مشهورين رغبة منهم فى تخفيض التكلفة النهائية لتجاربهم ، ولثقتهم فى قدرات الفنانين ، وهو ما أدى إلى خروج هذه الأعمال بشكل متميز .

الخميس، 24 ديسمبر 2009

عزبة أدم ... الحنين إلى الماضى



 عند قيام صناع الأعمال السينمائية فى مصر بعقد المؤتمرات الصحفية تتردد عبارة (إننا نشارك فى أحد الأفلام الهامة التى تمتاز بروعة السيناريو ) ، وفور نزول الفيلم إلى صالات العرض الجماهيرى يفاجأ المشاهد بأنه على موعد مع أحد التجارب الضحلة على مستوى الفكر أو الفن ، مما يحيلنا إلى إختيارين ، إما أن يكون السيناريو الذى وافق عليه الممثلون لم يتم تصويره لظروف خاصة ، أو تعرض للتشويه المتعمد من قبل المخرج وجهة الإنتاج رغبة منهم فى ضغط النفقات ، ذلك بالإضافة طبعاً إلى تدخلات النجم فى السياق الدرامى بالحذف والإضافة .
ونحن نسمع منذ فترة ليست بالقصيرة العديد من أبيات الشعر التى تتحدث عن فيلم عزبة أدم ، وقامت إحدى الناقدات بتوبيخ الدكتور ( عزت أبو عوف ) رئيس مهرجان القاهرة السينمائى لمجرد قيامة بمهاجمة الفيلم قبل عرضه جماهيرياً ، كما تحدثت بعض المطبوعات عن قيام المخرج محمود كامل بالسفر خارج البلاد وتلقى دورة تدريبية فى فن الإخراج السينمائى عند توقف الفيلم بسبب المشاكل التى دبت بين صناعه ووزارة الداخلية .
والحقيقة أن الفيلم يبدو على مستوى الشكل عملا جاداً يتحدث عن تدهور أحوال البسطاء نتيجة الفقر والجهل والمرض ، وهى معان عظيمة إذا تم طرحها بشكل فنى جيد ، وهو مالم يتحقق فى هذا الفيلم .
يعتمد السيناريست محمد سليمان فى أول تجاربه المعروضة (بعد توقف فيلمه ـ ليلة واحدة ـ إخراج أكرم فريد إلى أجل غير مسمى )على الشخصيات النمطية فالأب ( محمود ياسين ) طيب إلى أقصى درجة ) ، أما حامد ( فتحى عبد الوهاب ) فهو مجرم بالسليقة ، يكتفى كاتب السيناريو بعبارة ( إبن كلب ) ليعبر بها عن بعده الإجتماعى والنفسى ، كما تبدو أغلب الخطوط الدرامية الموجودة داخل العمل مستوحاه من أفلام سبق عرضها ، فقيام ظابط شرطة بالإتفاق مع أحد المجرمين بحيث يقوم الثانى بممارسة أنشطته غير المشروعة تحت رعاية الأول قد تكرر فى فيلمى ( حين ميسرة للمخرج خالد يوسف ـ الجزيرة للمخرج شريف عرفة ) وبينما كان المجرم فى هذه الأعمال يساعد الشرطة فعلا بالكشف عن العناصر الإرهابية ، فإن المجرم فى هذا الفيلم لا نشاهدة وهو يقدم خدمة واحدة لظابط الشرطة تبرر مساعدته له .
كما ينحو السيناريو فى منتصف الأحداث إلى الكوميديا عندما يتم تجنيد مصطفى ( أحمد عزمى ) فى إحدى الجماعات الإرهابية داخل السجن ، وكأن المتطرفين يمارسون أنشطتهم فى العلن ، بل أن الكاتب يصيغ مشهداُ عبقرياً يؤدى فيه مصطفى الصلاه وخلفة أفراد الجماعة فى الهواء الطلق بينما يقوم عساكر السجن بالوقوف بجوارهم دون أن يعينهم الأمر فى شىء ، أما فتاة الليل ( دنيا سمير غانم ) فيحسب للمؤلف إبتكاره الواضح فى تبرير أسباب إنحرافها وهى مرض والدها الذى قضى نصف مشاهده وهو مستلقى على الفراش فى حالة من الإعياء التام ، ورغبتها فى توفير الدواء له .
ويرغب صناع العمل فى تجميع جميع القضايا التى تهم المواطن داخل الفيلم مثل سفر المدرسين للعمل خارج مصر أو شركات توظيف الأموال التى تستولى على مدخرات الفقراء ، وربما كان الفيلم سيناقش قضايا أخرى إذا إمتدت مدة عرضة ، كأن يتوفى شقيق مصطفى متأثراً بمرض إنفلونزا الخنازير ، أو يصاب الأب فى وجهه أثناء مشاهدته لمباراة مصر والجزائر .
أما المخرج محمود كامل فإن دراسته للسينما فى أمريكا تبرر لنا كون معظم مشاهير المخرجين ينتمون إلى دول أوروبا ، فالمخرج ألمو دوفار أسبانى الجنسية ، أما كل من مارتن سكورسيزى و فريدريكو فيللينى فموطنهم الأصلى إيطاليا ، أما مخرجنا العظيم فقد إتبع تكنيكاً مختلفاً فأكثر من اللقطات المقربة للوجوه وكأنه يعلن عن سعادته لإشتراك هذا الكم من الممثلين بالفيلم ، وإعتمد على زوايا تصوير منفره للعين مثل المشهد الذى يخرج فيه التاجر المستغل ( سعيد طرابيك ) من قسم الشرطة ، أو اللقطات المأخوذة لقصر مرشدى ( فتوح أحمد ) من الخارج ، كما ترك كل ممثل يلعب على سجيته ، فالفنان أحمد عزمى يؤدى دوره المفضل وهو طالب الثانوى المتعلم الذى يلتحق بالجماعات المتطرفة ، وماجد الجدوانى يلجأ لطبقة صوت مستعارة ليعبر عن سطوة ظابط الشرطة ، أما فتحى عبد الوهاب فتعامل مع دوره وكأنه يشارك فى إحدى المسرحيات فأخذ يبالغ فى التعبير عن حقارة الشخصية بواسطة حركة يديه وتعبيرات وجهه ، ونأتى إلى الفنان محمود ياسين الذى إتبع مقولة أن السينما فن شاب تعتمد بشكل أساسى على الفنانين الشباب ، فأدى دوره المحدود (عشرة مشاهد تقريباً ) بقدر غير قليل من الفتور ، حيث نلاحظ تعمد المخرج فى مشهد ظهوره الأول المصور بلونى (الأبيض والأسود) إختيار زاويا تصوير بحيث لا يظهر فى لقطة مقربة لتأكدة من رداءة الماكياج ، وهو الأمر الذى تكرر فى مشهد المطاردة بين كل من الظابط سعد والمجرمان ( فتحى عبد الوهاب ـ سليمان عيد ) ، حيث تتبادل أحجام اللقطات مابين لقطة عامة لسيارة الشرطى التى لا توضح الإضاءة ملامح قائدها ، ولقطة مقربة ( close up ) لوجه الممثل ( ماجد الكدوانى ) .
أما بالنسبة لبقية العناصر الفنية فنلاحظ أن إضاءة العديد من المشاهد غير ملائمة للمصدر مثل مشاهد حامد داخل المنزل بعد قتله لمرشدى أو اللقاء الأول بين مصطفى وأمير الجماعة الإرهابية وهو ما يدخل تحت مسئولية مدير التصوير ( هشام سرى ) ، و تصور مهندس الديكور كمال مجدى أن الحجز الخاص بقسم الشرطة عبارة عن سبورة فى إحدى الفصول فازدحم الحائط الذى يستند عليه المتهمون بعبارات تتحدث عن شخص واحد لا نعلمه ، كما جاء ديكور معقل الإرهابيين أشبه بمعسكرات الكشافة ، بينما تخيل المونتير عمرو عاصم بأنه يقوم بمونتاج فيلم عمارة يعقوبيان ، فلا تمر بضعة دقائق إلا ويفاجئنا بلقطة للبحر الذى تطل عليه عزبة أدم .
أما النتائج المترتبة على عرض هذا الفيلم فهى قيام جميع المعارضين لأفلام المخرج خالد يوسف بالإتفاق على نشر إعتذار مطول يعتذرون من خلاله عن وصفهم له بالرؤية القاتمة والمباشرة الفجة فى الجرائد الحكومية والمستقلة .

بالألوان الطبيعية ... عندما تهزم الحرفة الموهبة



من أكثر الأشياء المضحكة التى قرأتها فى الأونة الأخيرة هو تعليق لأحد الأشخاص على موقع ( الـ you tube ) يؤكد فيه أن مخرج فيلم بالألوان الطبيعية قدم هذا العمل لمجرد الربح التجارى ، بالرغم من أن المخرج أسامة فوزى قدم منذ تخرجه من المعهد العالى للسينما عام 1980 أربعة أفلام روائية طويلة وهو رقم أقل من نصف عدد الأفلام التى قدمها المخرج أحمد البدرى فى الخمسة أعوام الأخيرة ، بل أن ( أسامة فوزى ) لم يتم ظبطه متلبساً بإخراج أحد أغانى الفيديو كليب أو مسلسل تلفزيونى مكون من أربعون حلقة ، فهو بالتالى يسعى إلى توصيل أفكارة للمتلقى دون النظر إلى رأى المشاهد فى العمل ، أو الإستعانه بتمويل من الخارج يعرضه لإتهامات بتشويه سمعة مصر .
وفى الواقع أن تناول فيلم بالألوان الطبيعية لابد ألا يأتى بمعزل عن فيلم ( بحب السيما ) لنفس المخرج ، والذى إحتوى على شخصية شاب يهوى الرسم ولم يستطع تحقيق حلمه داخل مصر مما دفعة إلى السفر للخارج وهو نبيل ( خال الطفل نعيم ) ، وعلى هذا فإن فيلمنا يطرح فى أحد مستوياته المتعددة فكرة ( ماذا كان سيحدث لنبيل لو حقق حلمة بدخول كلية الفنون الجميلة ) .
يأتى بناء هذا العمل معتمداً على فكرة تكثيف اللحظات الزمنية الخاصة بالبطل ، فالأحداث تدور فى خمس سنوات ، ونلاحظ أن صناع الفيلم يتعمدون حذف الأزمنة الضعيفة ، مثل ذهاب يوسف لخطبة إلهام ، أو تطور العلاقة بين على (رمزى لينر) وصديقته ، بل أننا نتابع السنة الرابعة للبطل فى أربعة مشاهد فقط ، كما يجنحون إلى التفرقة بين نهايات كل مرحلة ، فالعام الأول ينتهى بالطلبة وهم يغنون ، بينما تأتى نهاية العام الثانى عندما يحدث يوسف زميلته عن حالة الحزن التى يمر بها ، بل أن مواقف الشخصيات من بعضها يتم التعبير عنها بشكل بصرى مثل قيام ليلى بتأمل اللوحة التى رسمها يوسف فى السنة الأولى ، أو إفراغ (على) للعصير الذى يشربه فى وجه زميله إبراهيم كناية عن كراهيته له ، بل أننا نفاجأ بعلاقات بصرية متكاملة ، فعلى سبيل نشاهد إبراهيم (إبراهيم صلاح ) يتحدث إلى إحدى الفتيات فى بداية العمل ، ثم تتطور علاقتهم فى مشهد أخر حين نراهم يسيرون سوياً داخل الجامعة أثناء حديث يوسف مع الأستاذ المستنير ، إلا أن نراها فى النهاية تدافع عنه عند تشاجره مع على .
يعلن المؤلف منذ البداية موقفة المضاد لإسلوب تعليم الفنون ، فنحن نلاحظ أن البطل حين يدخل الكلية لأول مرة فإنه يقابل بسخرية من طلاب السنوات السابقة ، وهو ما يشير إليه زميله بعبارة (حفلة الإستقبال ) ، والحقيقة أن الجملة السابقة لا تأتى بشكل عفوى ، فهى ترد المشاهد إلى الإهانة التى يتعرض إليها الشخص الذى يدخل السجن لأول مرة ، فالكلية أصبحت معادلا للسجن ، كما تسيطر فكرة المعادلات على معظم شخصيات العمل ، فالداعية الإسلامى يمثل الدين ، والموديل (سعيد صالح ) يمثل مستقبل البطل فى حالة إستسلامه ، أما فتاة الليل فتبدو إنعكاساً لموقف الفيلم من البطل ، فإذا كانت تقوم ببيع جسدها ، فإن بطلنا يتربح من فنه ، كما أن المخرج يعبر بصرياً عن تخبط بطله فى عدة مواضع مثل إنقسام طلبة الفنون إلى جماعات تعبر كل منها عن ثقافتها فيأتى الناتج النهائى عشوائياً لعدم رغبة أى منهم فى تقبل الأخر ، أو ذلك المشهد الذى يتنقل فيه البطل بين الطرق المختلفة داخل أحد الأسطح أثناء حديث صديقه عن بدء ظهور مشاعر الأبوة بداخلة .
يؤكد المؤلف على عدم إرتباط الموهبة بالدراسة الأكاديمية ، عندما يحدث يوسف عميد الكلية عن تميز طلبة قسم الدراسات الحرة ، ويشير إلى ضحالة تفكير الأساتذه ، عندما يتهمون الطلبة بالكسل مؤكدين أن بإمكانهم تحقيق أرباح مادية طائلة فى الوقت الذى يقومون فيه بالتدريس لهم ، ويتعامل مع شخصياته التى تمارس بعض الأفعال اللا أخلاقيه بقدر من التعاطف مثل موقف ( هدى ) فرح يوسف الخاص برغبتها فى الإحتفاظ بجنينها ، ويؤكد على سيطرة النزعة الدينية على المجتمع المصرى عندما يحدث الطالب الوصولى زميلته أن التصميمات الساذجة ذات البعد الدينى هى أكثر الأعمال التى تعجب بها الأسرة المصرية المحافظة ، ويشير إلى أن الخوف من الرسوب هو ما يشغل الطلاب عندما تتحدث إحدى الطالبات عن إضطرارها لرسم أفكار سبق وأن لاقت إشادة من الأساتذة حتى لا تتعرض للتوبيخ بسبب إبتكاراتها .
وعلى جانب أخر تأتى الإنتقالات فى الفيلم لتعبر عن مضمون العمل ، مثل الإنتقال من حديث الأستاذ عن ضرورة الإنطلاق وإحتفال الطلبة بعيد الحب ، أو القطع إلى حفلة الإستقبال بالكلية بعد قيام يوسف بالفرار من والدته المعترضة على اتجاهه للفن ، كما يؤكد الفيلم بصرياً أن بطلنا قد إستعاد توازنه من خلال إختيار توقيت مشهد النهاية الذى يدور نهاراً على عكس المشهد الذى دار فى نفس المكان عندما كان البطل يمر بحالة نفسية سيئة فدار فى فترة الغروب وصولاً إلى الليل .
وإذا كان طلبة الفنون الجميلة قد قاموا بمهاجمة المخرج أسامة فوزى قبل نزول العمل إلى صالات العرض السينمائى ، فإن كاتب هذه السطور يثق أنه لن يلتفت إلى هذا الهراء ، نظراً لإنشغالة فى التحضير لعمل جديد يدور حول ( مستقبل يوسف عقب إنخراطه فى الحياة العملية ) .

الأحد، 1 نوفمبر 2009

قصة قصيرة

المرة دى تغيير ، أتمنى القصة تعجب زوار المدونة

التأمل

من ضمن الأشياء المميزة لعمر أنه إنسان مثالى ، فهو يعمل فى وظيفة لا يكن أى إحترام لجميع الموجودين فيها ، وبالرغم من ذلك فهو بالنسبة إليهم شخصاً ساذجاً فهو يرد على جميع الزملاء بعبارة واحدة وهى ( تحت أمرك ) سواء كان يتبادل الحديث مع المدير الذى يمقته أو الساعى الذى يتمنى تعلم التصويب حتى يتخلص منه ، فى بعض الأيام تأتى إلى المكتبة التى يعمل بها إمرأه تبدو فى أحسن الأحوال أشبه بفتيات الليل ، تملك سيارة فخمة ، تحاول أن تظهر بمظر المثقفين ، لمحها أحياناً فى بعض مقاهى وسط البلد ، كل ما تعلمه عن فن الرواية ، هو أن عمارة يعقوبيان تتحدث عن الإنحدار الذى أصاب مصر فى سنواتها الأخيرة ، تصطحب معها طفلة صغيرة ، سبعة أعوام ، تحمل حقيبتها المملوئة بالكتب التى ستذهب إلى غرفة الكراكيب فى نهاية اليوم ، تبدو الطفلة أشبه ببطلة قصة يوسف إدريس ( نظرة ) لا تفتح فمها بأى شىء ، لدرجة أنه إعتقد فى بداية الأمر إصابتها بداء الخرس ، حاول أحياناً تبادل الحديث معها ولكنه لم يلبت وأن توقف فهى ترفض التجاوب معه على الإطلاق ، خيل إليه للحظات أنها عبارة عن إنسان ألى مبرمج فاقد للروح والحياة .

يتجه عمر يومياً إلى منطقة وسط البلد ، يقف أمام سينما كريم متسائلاً عن موعد إفتتاحها ، ثم يجلس فى أتوبيس هيئة النقل العام ، يركب معه فى معظم الأحيان شاب أصغر منه بعامين ، يجلس بجواره بأناقته الملفته للنظر و تبادلا السجائر ذات يوم ، وتعارفا فى يوم أخر ، لم يسأله عن وظيفته ، لمحه فى أحد المحلات يشترى كاب ظريف .

بعد عدة أسابيع إستمرت المرأة فى المجىء بحقيبتها الثقيلة ، ولكن تغير المرافق ، صار طفلاً صغيراً ، خطر فى ذهنه عدة إحتمالات كأن تكون الطفلة قد قتلت على يد المرأة أو فرت هاربة مستغله إستغراقها فى النوم ولعلها قامت بإجراء عملية تغيير لجنسها ، إبتسم عندما جاءه هذا الخاطر ، ذات يوم حاول سؤال المرأة ولكنها .. لم ترد عليه .

بعد زيارته لطبيب التخسيس الخاص به ، توجه عمر إلى أحد محلات المأكولات لتناول الطعام ، طلب طبق مكرونة وجلس ينتظر النادل مستغرقاً فى قراءة جريدة اليوم التالى ، لدرجة أنه لم يسمع صوت إرتطام الطبق بالمائدة ، سمع صوته من خلف الجريدة ( لو سمحت ) ، ألقى بالصفحة التى يمسك بها على المقعد المجاور له ، نظر أمامه ليجد راكب الأتوبيس ، لم يتحدثا هذه المرة ، تبادلا النظرات فقط ، أخذ يلتهم ما أمامه بسرعه ، محاولا تجنبه بأى شكل ، لم يمس زجاجة الشطه التى وضعها أمامه ، وعند دفعه للحساب تعمد ألا يمنحه بقشيشاً بالرغم من أنه معروف بكرمه المفرط .

بعد هذا اليوم ، حدثت تغيرات طفيفة ، فعمر لم يدخل المطعم مرة أخرى ، وقرر الركوب من موقف أحمد حلمى ، أما الشاب فقد إستغرب مدير المطعم رغبته فى النقل لفرع أخر ، كما علقت أسفل المكتبة لافته الموظف المثالى مزينة بإسم .... عمر .